للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كان معه أصله، حكاه ابن العربيّ.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويظهر لي أن هذا النفي يفسّره التبرّي الآتي في حديث أبي موسى - رضي اللَّه عنه -، حيث قال: "بريء منه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - "، وأصل البراءة الانفصال من الشيء، وكأنه توعّده بأن لا يُدخله في شفاعته مثلاً. وقال المهلّب: قوله: "أنا بريء"، أي من فاعل ما ذُكر وقت ذلك الفعل، ولم يُرد نفيه عن الإسلام.

وهذا يدلّ على تحريم ما ذُكر من شقّ الجيب، وغيره، وكأن السبب في ذلك ما تضمّنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء، فإن وقع التصريح بالاستحلال مع العلم بالتحريم، أو التسخّط مثلاً بما وقع، فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين. قاله في "الفتح" (١).

(مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ) ولفظ البخاريّ: "من لَطَمَ الخدود". و"الخدود" جمع خدّ، قال المجد اللغوي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الخدان -بالفتح- والخُدَّان- بالضمّ-: ما جاوز مؤَخَّر العينين إلى منتهى الشِّدْق، أو اللذان يكتنفان الأنف عن يمين وشمال، أو من لدُن المَحْجِر (٢) إلى اللَّحْيِ، مذكّر انتهى.

وخص الخدْ بذلك لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك (وَشَقَّ الْجُيُوبَ) جمع جَيب -بالجيم، والموحّدة- وهو ما يفتح من الثوب ليُدْخَل فيه الرأس، والمراد بشقّه إكمال فتحه إلى آخره، وهو من علامات التسخّط (وَدَعَا بِدُعَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ) في "الكبرى": "بدعاء أهل الجاهلية"، ولمسلم: "بدعوى أهل الجاهلية"، أي من النياحة، ونحوها، وكذا الندبة، كقولهم: واجبلاه، وكذا الدعاء بالويل والثبور، فقد أخرج ابن ماجه، وصححه ابن حبّان، من حديث أبي أمامة - رضي اللَّه عنه -: "إن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لعَنَ الخامشة وجهها، والشّاقّة جيبها، والداعية بالويل والثبور".

ثم إن عمومه يشمل الذكر والأنثى، وتخصيص الإناث في بعض الأحاديث خرج مخرج العادة، فإن هذه الأفعال إنما هي عادتهنّ، لا عادة الذكور، والواو فيهما بمعنى "أو"، فالحكم في كلّ واحد منها، لا في المجموع، لأن كلاّ منها دالّ على عدم الرضا، والتسليم للقضاء.

وقوله (وَاللَّفْظُ لِعَليٍّ) بيّن به اختلاف شيخيه في لفظ الحديث، فاللفظ المذكور هنا لشيخه عليّ بن خشرم، وأما شيخه الحسن بن إسماعيل، فيختلف لفظه عن لفظه قليلاً،


(١) -ج ٣ ص ٥١٢ - ٥١٣.
(٢) - الْمَحْجِر وزان مجلس، ومِنبَر: الحديقة، ومن العين ما دار بها، وبدا من البرقع، أو ما يظهر من نقابها. اهـ "ق".