وقد تقدم حديث أبيّ بن كعب، وعائشة، وأم أيمن في سؤالهم عن الواحد، لكنها ليس في شيء من طرقها ما يصلح للاحتجاج بها، بل أحاديث عدم السؤال مقدمة عليها لصحتها.
لكن يشهد لأحاديث السؤال عن الواحد ما تقدم قبل باب من حديث معاوية بن قرّة، عن أبيه، في قصة الرجل الذي مات ولده، وفيه:"ما يسرّك أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنّة إلا وجدته عنده، يسعى، يفتح لك"، فإنه صريح في كون الولد الواحد كالثلاثة والاثنين، ويشهد لها أيضًا ما تقدم في الباب الماضي من حديث عبد اللَّه بن عمرو - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا:"إن اللَّه لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض … " الحديث، وهو عند البخاريّ في "كتاب الرقَاقِ" من حديث أبى هريرة - رضي اللَّه عنه -، بلفظ:"ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة"، وهو أصحّ ما ورد في ذلك، كما قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-.
والحاصل أن أحاديث السؤال عن الولد الواحد، قويّة بما ذُكر لها من الشواهد، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث أنس - رضي اللَّه عنه - هذا حديث صحيح.
فإن قلت: كيف يصحّ، وفيه عمران بن نافع، لم يرو عنه غير بكير بن عبد اللَّه؟. قلت: الحديث صححه ابن حبّان برقم -٢٩٤٣ - وعمران قد وثقه النسائيّ، وابن حبّان، ولحديثه هذا شواهد:
منها: حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لنسوة من الأنصار:"لا يموت لإحداكنّ ثلاثة من الولد، فتحتسبه، إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة منهنّ: أو اثنتين يا رسول اللَّه؟ قال: "أو اثنين". أخرجه مسلم ٨/ ٣٩، وأحمد ٢/ ٢٤٦ و ٣٧٨.
ومنها: حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه - مرفوعًا نحوه، وفيه: فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "واثنين، واثنين، واثنين". أخرجه مسلم أيضا، وكذا البخاري ٣/ ٤٥٥ نسخة الفتح دون تكرار "واثنين". واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا-٢٣/ ١٨٧٢ - وفي "الكبرى" ٢٣/ ١٩٩٩، وهو من أفراده -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، لم يخرجه من أصحاب الأصول غيره، وأخرجه ابن حبّان في "صحيحه" ٢٩٤٣. واللَّه تعالى أعلم.