وقال ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: لا يُغطّى رأسه، وقال الشافعيّ: لا يُمسّ طيبًا، ولا يُخمّر رأسه، وبه قال أحمد، وإسحاق.
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وبما ثبت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نقول -يعني حديث الباب-. قال: وكان الثوريّ يميل إلى القول بالحديث،
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وبما قاله ابن المنذر، ومال إليه الثوريّ -رحمهما اللَّه تعالى- أقول، لصحة المنقول.
وحاصله أن المحرم الميت يكفّن في ثوبيه، ولا يمسّ طيبًا، ولا يغطّى رأسه، كما أرشد إلى ذلك النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث الباب. واللَّه تعالى أعلم.
قال: وروينا عن عطاء قولا ثالثًا، وهو أن يُغسل بالماء، ويكفّن، وُيغطّى رأسه، ولا يُحنّط.
قال: واختلفوا في تخمير وجهه، فأما من قال: إذا مات المحرم ذهب إحرامه، فلا معنى للمسألة على مذهبه، لأنه يَرى أن يُفعل به كما يُفعل بسائر الموتى، وقياس قول من رأى أن للمحرم الحيّ أن يُخمِّرَ وجهَهُ أن يقول: يُخَمِّرُ وجهُ المحرم الميت.
وممن كان لا يرى بأسًا أن يُخَمِّرَ المحرمُ وجهَهُ سعد بن أبي وقّاص، وجابر بن عبد اللَّه، والقاسم بن محمد، وطاوس، والثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وكرهت طائفة من أصحاب الحديث أن يُخَمِّرَ وجهَهُ، وأن يُخَمَّر وجهُ المحرم الميت. وحُجَّةُ هؤلاء حديثُ ابن عباس الآتي ٤٧/ ٢٧١٤ - بلفظ: "ولا تخمروا وجهه ورأسه … ".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما عزاه إلى أصحاب الحديث هو الحقّ، لصحة الحديث بذلك كما سيأتي في محله إن شاء اللَّه تعالى، واللَّه تعالى أعلم (١).
وقال في "الفتح" عند قول البخاريّ: "باب الحنوط للميت ": أي غير المحرم، وأورد حديث ابن عباس المذكور في الباب، قال: وشاهد الترجمة قوله: "ولا تحنّطوه"، ثم علل بأنه يُبعث ملبيًا، فدلّ على أن سبب النهي أنه كان محرمًا، فإذا انتفت العلّة انتفى النهي، وكأن الحنوط للميت كان مقرّرا عندهم، وكذا قوله: "ولا تخمّروا رأسه"، أي لا
تُغَطُّوه.
قال البيهقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليل على أن غير المحرم يُحنّط، كما يُخمّر رأسه، وأن
(١) - "الأوسط" ج ٥ ص ٣٤٣ - ٣٤٦.