للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والتكبّر والأَنَفَة، وهذا المعنى لا يخصّ نفس المؤمن، بل يعمّ كل نفس حلّ بها الموت.

وهذا لا يعارض التعليل الآتي في الحديث التالي بقوله: "إن للموت فَزَعًا"، على ما سيأتي، وكذا ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة، عن أنس - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا، فقال: "إنما قمنا للملائكة"، ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى - رضي اللَّه عنه -، ولأحمد، وابن حبان، والحاكم من حديث عبد اللَّه بن عمرو، مرفوعًا:، "إنما تقومون إعظامًا للذي يقبض النفوس". ولفظ ابن حبّان: "إعظاما للذي يقبض الأرواح" (١)، فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق، لأن القيام للفَزَع من الموت فيه تعظيم لأمر اللَّه، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك، وهم الملائكة.

وأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن عليّ - رضي اللَّه عنهما -، قال: "إنما قام رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - تأذّيا بريح اليهوديّ"، زاد الطبرانيّ من حديث عبد اللَّه بن عياش -بالتحتانية، والمعجمة-: "فآذاه ريح بَخُورها"، وللطبرانيّ، والبيهقيّ من وجه آخر عن الحسن: "كراهية أن تعلو رأسه"، فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة، أما أوّلًا، فلأن أسانيدها لا تقاوم تلك في الصحّة، وأما ثانيًا، فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي، والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه، فعلل باجتهاده.

وقد روى ابن أبي شيبة، من طريق خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت، قال: "كنا مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فطلعت جنازة، فلما رآها قام، وقام أصحابه حتى بعدت، واللَّه ما أدري من شأنها، أو من تضايق المكان؟، وما سألناه عن قيامه".

ثم إن مقتضى التعليل بقوله: "أليست نفسًا" أن ذلك يستحبّ لكلّ جنازة.

وقد تقدّم في الباب الماضي بيانُ اختلاف أهل العلم في حكم القيام للجنازة، وأن الراجح هو القول بالاستحباب، جمعًا بين الأحاديث. وباللَّه تعالى التوفيق.

واستُدلّ بهذا الحديث على جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهارًا غير متميّزة عن جنائز المسلمين، أشار إلى ذلك الزين ابن المنيّر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، قال: وإلزامهم بمخالفة رسوم المسلمين وقع اجتهادًا من الأئمّة. ويمكن أن يقال: إذا ثبت النسخ للقيام تبعه ما عداه، فيحمل على أن ذلك كان عند مشروعيّة القيام، فلما تُرك القيام منع من الإظهار. قاله في "الفتح" (٢).


(١) - انظر "صحيح ابن حبان" ج ٧ ص ٣٢٤ - ٣٢٥ رقم الحديث ٣٠٥٣.
(٢) - "فتح" ج ٣ ص ٥٣٥.