للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"صحيح البخاري" باللفظ الثاني.

قال الحافظ عند قوله: "وإبرار المقسم": واختُلف في ضبط السين، فالمشهور أنها بالكسر، وضمّ أوله على أنه اسم فاعل، وقيل: بفتحها، أي الإقسام، والمصدر قد يأتي للمفعول، مثل أدخلته مُدْخَلًا بمعنى الإدخال، وكذا أخرجته. انتهى. (١)

[تنبيه]: إبرار القسم إنما يلزم فيما إذا كان جائزا، ولا يمنع منه مانع، وإلا فلا يلزم، لأن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لما أقسم أبو بكر عليه لَيُخبرنه بما أصاب في تعبير الرؤيا، وما أخطأ، قال له: "لا تُقسم"، ولم يبرّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قسمه، لحكمة لا نعلمها، قاله الصنعانيّ. ومعنى قوله: "لا تقسم": أي لا تكرر القسم، وإلا فإنه قد أقسم، حيث قال: "أقسمت عليك يا رسول اللَّه لتخبرنّي بالذي أصبت من الذي أخطات … ". قاله الكرمانيّ. والحديث أخرجه البخاريّ. وسيأتي تمام البحث في إبرار القسم في "كتاب الأيمان"، في باب "إبرار المقسم" -١٣/ ٣٧٧٨ - إن شاء اللَّه تعالى.

(وَنُصْرَةِ الْمَظْلُوم) أي إعانته، وهو فرض كفاية، وهو عامّ في المظلومين، وكذلك في الناصرين، بناءً على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع، وهو الراجح، ويتعيّن أحيانا على من له القدرة عليه وحده، إذا لم يترتّب على إنكاره مفسدة، أشدّ من مفسدة المنكر، فلو علم، أو غلب على ظنه أنه لا يُفيد سقط الوجوب، وبقي أصل الاستحباب بالشرط المذكور، فلو تساوت المفسدتان تخيّر.

وشَرْطُ الناصرِ أن يكون عالمًا بكون الفعل ظلمًا، ويقع النصر مع وقوع الظلم، وهو حينئذ حقيقة، وقد يقع قبل وقوعه، كمن أنقذ إنسانًا، من يد إنسان طالبه بمال ظلما، وهدّده إن لم يبذله، وقد يقع بَعْدُ، وهو كثير. قاله في "الفتح" (٢).

وقد جاء الأمر بنصر الأخ ظالما، أو مظلومًا، وذلك فيما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" عن حميد، عن أنس - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "انصر أخاك ظالمًا، أو مظلومًا، قالوا: يا رسول اللَّه، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: "تأخذ فوق يديه". وللإسماعيليّ من رواية معاذ، عن حميد: "فقال: "يَكُفّه عن الظلم، فذاك نصره إياه"، ولمسلم من حديث جابر - رضي اللَّه عنه - نحوه، وفيه: "إن كان ظالمًا، فليَنْهَه، فإنه له نصرةٌ".

(وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ) وفي رواية للبخاريّ في "الجنائز" من طريق شعبة، عن الأشعث بلفظ: "ورَدِّ السلام"، ولا مغايرة بين الروايتين في المعنى، لأن ابتداء السلام وردَّه


(١) - "فتح" ج ١٣ ص ٣٩٢. "كتاب الأيمان والنذور"
(٢) - "فتح" ج ٥ ص ٣٨٨ "كتاب المظالم" رقم الحديث ٢٤٤٥.