للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحبّة ثلث القيراط، فإذا كانت الذّرّة تخُرِج من النار، فكيف بالقيراط قال: وهذا قدر قيراط الحسنات، فأما قيراط السيئات فلا. وقال غيره: القيراط فى اقتناء الكلب جزء من أجزاء عمل المقتني له في ذلك اليوم. وذهب الأكثر إلى أن المراد بالقيراط في حديث الباب جزء من أجزاء معدومة عند اللَّه، وقد قربها النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - للفهم بتمثيله القيراط بأُحُد.

قال الطيبيّ: قوله: "مثل أُحُد" تفسير للمقصود من الكلام، لا للفظ القيراط، والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر، وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين، فبين الموزون بقوله: "من الأجر"، وبيّن المقدار منه بقوله: "مثل أحد".

وقال الزين ابن المنيّر: أراد تعظيم الثواب، فمَثَّلَه للعيان بأعظم الجبال خَلْقًا، وأكثرها إلى النفوس المؤمنة حبّا، لأنه الذي قال في حقّه: إنه جبل يحبنا، ونحبّه انتهى. ولأنه أيضًا قريب من المخاطبين، يشترك أكثرهم في معرفته.

وخصّ القيراط بالذكر لأنه كان أقلّ ما تقع به الإجارة في ذلك الوقت، أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل. واستُدِلَّ بقوله: "من تَبعَ" على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها، لأن ذلك هو حقيقة الاتباع حسّا.

قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الذين رجحوا المشي أمامها حملوا الاتباع هنا على الاتباع المعنويّ، أي المصاحبة، وهو أعمّ من أن يكون أمامها، أو خلفها، أو غير ذلك، وهذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدليل الدالّ على استحباب التقدّم راجحًا انتهى (١). وسيأتي تحقيق القول في ذلك، وبيان اختلاف العلماء فيه، وترجيح الراجح بدليله في الباب التالي، إن شاء اللَّه تعالى.

(وَمَنْ مَشَى مَعَ الْجَنَازَةِ، حَتَّى تُدْفَنَ) أي بعد صلاته عليها، كما بينه في القسم الأول بقوله: "حتى يُصَلِّيَ عليها". وقد جاء التصريح بالصلاة في القسمين في حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - عند الشيخين، ولفظ البخاريّ: "من اتبع جنازة مسلم إيمانا، واحتسابًا، وكان معه حتى يصلَّى عليها، وُيفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كلّ قيراط مثلُ أحد، ومن صلّى عليها، ثم رجع قبل أن تُدفن، فإنه يرجع بقيراط".

وفي حديث عبد اللَّه بن المغفّل الآتي بعد هذا: "حتى يُفرخ منها"، وفي حديث أبي هريرة عند البخاريّ: "ويفرغ من دفنها".

قال في "الفتح ": قوله: "ويُفرغ" بضم أوله، وفتح الراء، ويروى بالعكس، وقد


(١) - راجع "الفتح" ج ٣ ص ٥٥١ - ٥٥٣. "كتاب الجنائز" رقم الحديث ١٣٢٣.