للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العصفور في عدم المؤاخذة بالذنب (لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا) أي لم يَجرِ عليه القلمُ بسبب سوء عمله، لكونه مرفوع القلم، لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاثة:، وعن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيّ حتى يحتلم". حديث صحيح، أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم (وَلَمْ يُدْرِكْهُ) أي لم يدرك وقت السوء، وهو ما بعد البلوغ.

قال العلامة القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إنما قالت عائشة - رضي اللَّه عنهما - هذا؛ لأنها بَنَت الأمرَ على أن كلّ مودود يودد على فطرة الإسلام، وأن اللَّه تعالى لا يعذّب حتى يبعث رسولاً، فحَكَمَت بذلك، فأجابها النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بما ذكر انتهى (١).

(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (أَوَ غَيْرُ ذَلِكِ) بفتح الواو، والهمزة للاستفهام، والواو عاطفة على محذوف، أي أتسكتين عن هذا، وتقولين غير ذلك، ويحتمل أن تكون "أو" بسكون الواو، بمعنى "بل"، و"غير" بالنصب، أو الرفع، أي بل قولي غير ذلك، أو غيرُ ذلكِ أولى وأحسن، والظاهر أن المراد بغير ذلك أن تقول: اللَّه أعلم بما يصير أمره إليه، فتفوّض الأمر إلى اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم (يَا عَائِشَةُ، خَلَقَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الجَنَّةَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَهُمْ) حُذف متعلّقه، أي للجنة (فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ) أي قبل أن يولدوا، ويخرجوا إلى دار التكليف (وَخَلَقَ النَّارَ، وَخَلَقَ لَهَا أَهْلاً، وَخَلَقَهُمْ) حذف متعلقه أيضًا: أي للنار (فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ") ولفظ مسلم في الموضعين: "خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم".

قال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أجمع من يُعتدّ به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين، فهو من أهل الجنّة، والجواب عن هذا الحديث أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يَعلَم أن أطفال المسلمين في الجنّة. انتهى.

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: قلت: وقد صرّح كثير من أهل التحقيق أن التوقّف في مثله أحوط، إذ ليست المسألة مما يتعلّق بها عمل، ولا عليها إجماع، وهي خارجة عن محلّ الإجماع على قواعد الأصول، إذ محلّ الإجماع هو ما يدرك بالاجتهاد، دون الأمور المغيبة، فلا اعتداد بالإجماع في مثله لو تمّ على قواعدهم، فالتوقّف أسلم، على أن الإجماع لو تمّ وثبت لا يصحّ الجزم في مخصوص، لأن إيمان الأبوين تحقيقًا غيب، وهو المناط عند اللَّه تعالى، واللَّه تعالى أعلم انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "المفهم": هذا لا يُعارِض ما تقدّم من قوله: إنه يكتب، وهو في بطن أمّه شقيّ، أو سعيد؛ لما قدّمناه من أن قضاء اللَّه، وقدره راجع


(١) - "المفهم" ج ٦ ص ٦٧٩.
(٢) - "شرح السندي" ج ٣ ص ٥٨.