{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠] الإسلام، واحتجّوا بقول أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - في آخر الحديث: اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، وبحديث عياض بن حمار - رضي اللَّه عنه -، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما يرويه عن ربّه:"إني خلقت عبادي حُنَفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم … " الحديث، وقد رواه غيره، فزاد فيه:"حنفاء مسلمين … "، ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى:{فِطْرَتَ اللَّهِ} لأنها إضافة مدح، وقد أمر نبيه - صلى اللَّه عليه وسلم - بلزومها، فعُلم أنه الإسلام.
وقال ابن جرير: قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أي سدّد لطاعته {حَنِيفًا} أي مستقيمًا {فِطْرَتَ اللَّهِ} أي صبغةَ اللَّه، وهو منصوب على المصدر الذي دلّ عليه الفعل الأول، أو منصوب بفعل مقدّر، أي الزم.
وقال الزهريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الصلاة على المولود: من أجل أنه وُلد على فطرة الإسلام. وقد جزم البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في تفسير "سورة الروم" بأن الفطرة الإسلام. وقد قال أحمد: من مات أبواه، وهما كافران حكم بإسلامه، واستدلّ بحديث "كلّ مولود يولد على الفطرة … "، فدلّ على أنه فسّر الفطرة بالإسلام. وتعقّبه بعضهم بأنه كان يلزم أن لا يصحّ استرقاقه، ولا يحكم بإسلامه إذا أسلم أحد أبويه.
والحقّ أن الحديث سيق لبيان ما هو في نفس الأمر، لا لبيان الأحكام في الدنيا. وحكى محمد بن نصر أن آخر قولي أحمد أن المراد بالفطرة الإسلام. قال ابن القيّم: وقد جاء عن أحمد أجوبة كثيرة، يحتجّ فيها بهذا الحديث على أن الطفل إنما يُحكم بكفره بأبويه، فإذا لم يكن بين أبوين كافرين فهو مسلم.
الثالث: ما رواه أبو داود عن حماد بن سلمة أنه قال: المراد أن ذلك حيث أخذ اللَّه عليهم العهد، حيث قال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}[لأعراف: ١٧٢]، ونقله ابن عبد البرّ عن الأوزاعيّ، وعن سحنون، ونقله أبو يعلى الفرّاء عن إحدى الروايتين عن أحمد، وهو ما حكاه الميمونيّ عنه، وذكره ابن بطّة.
الرابع (١): أن المراد به تمكن الناس من الهدى في أصل الجِبِلَّة، والتهيّؤ لقبول الدين، فلو تُرك المرء عليها لاستمرّ على لزومها، ولم يُفارقها إلى غيرها، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يُعدل عنه لآفة من الآفات البشريّة كالتقليد انتهى.
وإلى هذا مال القرطبيّ في "المفهم"، فقال: المعنى أن اللَّه خلق قلوب بني آدم
(١) - ظاهر ما في "الفتح" جعل هذا القول داخلا في الذي قبله، والظاهر أنهما مختلفان، فإن حماد بن سلمة حمله على العهد الذي في يوم الميثاق، وهذا حمل الفطرة على كون المولود مؤهلًا لقبول الإسلام والهدى، ومتهيا لذلك، فلهذا جعلتهما قولين، واللَّه تعالى أعلم.