للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثامن: قول بعضهم: إن اللام في "الفطرة" للعهد، أي فطرة أبويه. وهو متعقّب بما ذُكر في الذي قبله.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي هو القول الرابع، كما تقدّم بيانه في شرح حديث خصال الفطرة في أوائل هذا الشرح، وهو الذي صححه النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح مسلم"، حيث قال: والأصحّ أن معناه أن كلّ مولود يولد متهيأ للإسلام، فمن كان أبواه، أو أحدهما مسلمًا استمرّ على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا، وهذا معنى "يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه"، أي يُحكم له بحكمهما في الدنيا، فإن بلغ استمرّ عليه حكم الكفر، ودينهما، فإن كانت سبقت له سعادة أسلم، وإلا مات على كفره، وإن مات قبل بلوغه، فالأصحّ أنه من أهل الجنّة.

والجواب عن حديث "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين": أنه ليس فيه تصريح بأنهم في النار، وحقيقة لفظة: "اللَّه أعلم بما كانوا يعملون" لو بلغوا، ولم يبلغوا، إذ التكليف لا يكون إلا بالبلوغ.

وأما غلام الخضر فيجب تأويله قطعًا، لأن أبويه كانا مؤمنين، فيكون مسلمًا، فيتأول على أن معناه: إن اللَّه أعلم أنه لو بلغ لكان كافرًا، لا أنه كافر في الحال، ولا يجري عليه في الحال أحكام الكفار. واللَّه تعالى أعلم انتهى (١).

[تنبيه]: قال العلامة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: سبب اختلاف العلماء في معنى "الفطرة" في هذا الحديث أن القدريّة كانوا يحتجّون به على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء اللَّه، بل مما ابتدأ الناس إحداثه، فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل "الفطرة على غير معنى الإسلام، ولا حاجة لذلك، لأن الآثار المنقولة عن السلف تدلّ على أنهم لم يفهموا من لفظ "الفطرة" إلا الإسلام، ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية، لأن قوله: "فأبواه يهوّدانه الخ" محمول على أن ذلك يقع بتقدير اللَّه تعالى، ومن ثمّ احتجّ عليهم مالك بقوله في آخر الحديث: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين" انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

١٩٥٠ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ, قَالَ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ, قَالَ:


(١) - "شرح مسلم" ج ١٦ ص ٤٢٤ ببعض اختصار.
(٢) - ذكره في "الفتح" ج ٣ ص ٦١٩ - ٦٢١.