للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما من قُتل مدافعًا عن نفس، أو مال، أو في المصر ظلمًا، فعند أبي حنيفة، وأبي يوسف شهيد، وقال الشافعيّ: إنه وان قيل له: شهيد، فليس من الشهداء الذين لا يُغسلون (١)

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- أرجح. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في غسل الشهداء (٢):

قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: قد اختلفوا في غسل الشهيد، فقال عامّة أهل العلم: لا يُغسَل، كذلك قال مالك بن أنس، ومن تبعه، من أهل المدينة، وبه قال الحكم، وحماد، وأصحاب الرأي، ومن وافقهم من أهل الكوفة، وبه قال الشافعيّ، وأصحابه، وكذلك قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وكذلك قال عطاء، وسليمان بن موسى، ويحيى الأنصاريّ، وإبراهيم النخعيّ.

وكان الحسن، وسعيد بن المسيّب، يقولان: يغسل، فإن كلّ ميت يُجنب، وسئل ابن عمر عن غسل الشهيد، فقال: قد غُسل عمرُ، وكُفّن، وحنّط، وصُلّي عليه، وكان شهيدًا.

قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ثابت عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه لم يَغسِل شُهداء أُحُد، ولم يُصلّ عليهم. قال: واختلفوا في الصبيّ، والمرأة يُقتلان، فكان الشافعيّ يقول: يُصنع بهما ما يُصنع بالشهداء، لا يُغسلان، ولا يصلّى عليهما، وكذلك قال أبو ثور، وقال يعقوب، ومحمد: يُصنع بالولدان ما يُصنع بالشهداء، ولا يغسلون. وكان النعمان يقول: أما النساء، والرجال، فلا يغسلون، ويصنع بهم ما يصنع بالشهيد، وأما الولدان الذين ليست لهم ذنوب فيغسلون.

قال ابن المنذر: لما كانت السُّنَّة في غسل الرجال، والنساء، والولدان، والصلاة عليهم سبيلاً واحدًا، حيث يغسلون، وُيصلى عليهم، كان كذلك سبيلهم في الموضع الذي يوقف عنه عن غسلهم، والصلاة عليهم سبيلاً واحدًا، استدلالاً بالسنّة، لا فرق بين الأخيار والأشرار، والذين لهم ذنوب، والذين لا ذنوب لهم في ذلك، إن شاء اللَّه.

قال: واختلفوا فيمن قتله غير أهل الشرك، فكان الشعبيّ يقول: من قتله اللصوص لم يغسل، وقال سفيان الثوريّ: من قُتل مظلوما لم يغسل، وكذلك قال الأوزاعيّ فيمن قتله اللصوص. وكان مالك، والشافعيّ يقولان: يغسلون، ويصلّى عليهم، قال الشافعيّ: الغسل، والصلاة سنة بني آدم لا يخرج منها إلا من تركه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -،


(١) - أفاده في "الفتح" ج ٣ ص ٥٧١ و "نيل الأوطار" ج ٤ ص ٥٦، ونقلته باختصار.
(٢) - حق هذه المسألة أن تذكر قبل المسألة السابقة، لكن أخرتها لكون تلك موضوع ترجمة المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.