للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومات - صلى اللَّه عليه وسلم - في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فعلى هذا فقوله: "بعد ثمان سنين" تجوّز على طريق جبر الكسر، وإلا فهي سبع سنين، ودون النصف.

وهذا محلّ استدلال المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- على الترجمة، ففيه مشروعية الصلاة على الشهداء، ويؤيّد كون الصلاة على حقيقتها قوله: "صلاتَهُ على الميت"، فلا يصحّ تأويل الصلاة بالدعاء، كما تقدّم (ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ) وفي بعض النسخ: "فرطكم". قال أهل اللغة: الفَرَط -بفتح الفاء، والراء- والفارط هو الذي يتقدّم رُوّادَ الماء، ليُصلح لهم الحياض، والدَّلاء، ونحوها، من أمور الاستسقاء، فمعنى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إني فَرَط لكم" أي سابقكم إلى الحوض كالمهيّء لهم، ولهذا قال في رواية البخاريّ: "وإن موعدكم الحوض"، ولهذا المعنى ذكره في رواية أخرى، فقال: "إني واللَّه لأنظر إلى حوضي الآن"، وفيه إشارة إلى قرب وفاته - صلى اللَّه عليه وسلم -، وتقدّمه أصحابَهُ.

(وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ") هو موافق لقوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: ٤١]، ولقوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣].

زاد في رواية البخاريّ: "وإني واللَّه لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني واللَّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".

وقوده: "وإني واللَّه" فيه الحلف لتأكيد الخبر، وتعظيمه. وقوده: "لأنظر إلى حوضي الآن" هو على ظاهره، وكأنه كُشف له عنه في تلك الحالة.

وفيه إثبات حوضه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وأنه حوض حقيقيّ على ظاهره، مخلوق، موجودٌ اليومَ، وهو كذلك عند أهل السنّة والجماعة، لا يتأولونه، ويجعلون الإيمان به فرضّا، وأحاديثه قد بلغت التواتر. قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد الإشارة إلى كثير منها: وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترًا، وقد عرفت أنه في رواية مسلم: "وأن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة"، وفي رواية "بين ناحتيه كما بين جَرْباء وأذرح"، وفي رواية: "عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى المدينة"، وفي رواية: "من مقامي إلى عمان"، وفي رواية: "قدر حوضي ما بين أيلة، وصنعاء اليمن"، وفي رواية: "ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة"، وفي رواية: "حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء"، وكلّ هذه الروايات في "الصحيح"، قال القاضي عياض: وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجبا للاضطراب، فإنه لم يأت في حديث واحد، بل في أحاديث مختلفة الرواة، عن جماعة من الصحابة، سمعوها في مواطن مختلفة، ضربها النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - في كلّ منها مثلاً لبُعد أقطار الحوض، وسعته، وقَرَّبَ ذلك من الأفهام ببعد ما بين البلاد