للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأحكام باختلافها. ومنها: أنه يؤخذ من قوله: "استنكهوه" أن إقرار السكران لا أثر له، والذين اعتبروه، قالوا: إن عقله زال بمعصية، ولا دلالة في قصّة ماعز، لاحتمال تقدّمها على تحريم الخمر، أو أن سكره وقع عن غير معصية.

ومنها: أن المقرّ بالزنا إذا أقرّ يُترك، فإن صرّح بالرجوع فذاك، وإلا اتُّبع ورُجِم.

وهو قول الشافعيّ، وأحمد، ودلالته من قصّة ماعز ظاهرة، وقد وقع في حديث نعيم بن هزّال: "هلا تركتموه، لعله يتوب، فيتوب اللَّه عليه". أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم، وللترمذيّ نحوه من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم، وعند أبي داود من حديث بُريدة، قال: "كنا أصحابَ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، نتحدّث أن ماعزًا، والغامديّة لو رجعا لم يطلبهما".

وعند المالكيّة في المشهور لا يُترك إذا هرب. وقيل: يشترط أن يؤخذ على الفور، فإن لم يؤخذ تُرك. وعن ابن عيينة: إن أخذ في الحال كُمِّل عليه الحدُّ، وإن أخذ بعد أيام تُرك. وعن أشهب إن ذَكَر عذرًا يُقبل ترك، وإلا فلا، ونقله القعنبيّ عن مالك، وحكى الكجيّ عنه قولين فيمن رجع إلى شبهة، ومنهم من قيّده بما بعد إقراره عند الحاكم، واحتجّوا بأن الذين رجموه حتى مات بعد أن هرب لم يُلزَمُوا بديته، فلو شُرع تَركُه لوجبت عليهم الدية. والجواب أنه لم يصرّح بالرجوع، ولم يقل أحد إن حدّ

الرجم يسقط بمجرّد الهروب، وقد عبّر في حديث بُريدة بقوله: "لعله يتوب".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي ما ذهب إليه الشافعيّ، وأحمد، من أنه إذا صرّح بالرجوع يُترك، لموافقته لظاهر قصّة ماعز - رضي اللَّه عنه - هذه، واللَّه تعالى أعلم.

ومنها: أنه استُدلّ به على الاكتفاء بالرجم في حدّ من أُحصن من غير جلد.

هكذا قيل، وفيه نظر؛ لأنه ثبت الجمع بين الرجم والجلد، كما سيأتي في محله، إن شاء اللَّه تعالى.

ومنها: أن من وُجد منه ريح الخمر وجب عليه الحدّ، للأمر باستنكاه ماعز بعد أن قال له: أشربت خمرًا؟ قال القرطبيّ: وهو قول مالك، والشافعيّ، كذا قال. وقال المازريّ: استدلّ به بعضهم على أن طلاق السكران لا يقع. وتعقّبه عياض بأنه لا يلزم من درء الحدّ به أنه لا يقع طلاقه، لوجود تهمته على ما يظهر من عدم العقل، قال: ولم يختلف في غير الطافح (١) أن طلاقه لازم، قال: ومذهبنا إلزامه بجميع أحكام الصحيح، لأنه أدخل ذلك على نفسه، وهو حقيقة مذهب الشافعيّ، واستُثني من أكره، ومن شرب ما ظنّ أنه غير مسكر، ووافقه بعض متاخري المالكيّة. وقال النوويّ: الصحيح عندنا


(١) - يقال: سكران طافح، أي ملأه الشراب.