للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صحّة إقرار السكران، ونفوذ أقواله فيما له، وعليه، قال: والسؤال عن شربه الخمر محمول عندنا على أنه لو كان سكران لم يُقَم عليه الحدّ، كذا أطلق، فأُلزِم التناقض، وليس كذلك، فإن مراده لم يقم عليه الحدّ لوجود الشبهة، كما تقدّم من كلام عياض.

ومن المذاهب الظريفة فيه قول الليث: يُعمل بأفعاله، ولا يُعمل بأقواله، لأنه يلتذّ بفعده، ويَشفِي غيظه، ولا يفقه أكثر ما يقول، وقد قال اللَّه تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في حكم الصلاة على المرجوم، ونحوه ممن قتل في حدّ:

قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعال: اختلفوا في الصلاة على من قُتل في حدّ، فروينا عن عليّ بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه -، أنه قال لأولياء شُرَاحَة الهمدانيّة المرجومة: اصنعوا بها ما تصنعون بموتاكم. وقال جابر بن عبد اللَّه - رضي اللَّه عنهما -: صلِّ على من قال: لا إله إلا اللَّه.

وممن رأى أن يُصلَّى على جميع من أصيب في حدّ الأوزاعيّ، والشافعيّ، وإسحاق، وقال عطاء في ولد الزنا إذا استهلّ، وأمِّه، والمتلاعنين، والذي يُقاد منه، وعلى المرجوم، والذي يزاحف، فيفرّ، فيقتل، وعلى الذي يموت موتةَ سوءٍ: لا أدع الصلاة على من قال: لا إله إلا اللَّه، قال: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: ١١٣]، قال: فمن يعلم أن هؤلاء من أصحاب الجحيم؟. وقال عمرو مثل قول عطاء، وقال النخعيّ: لم يكونوا يَحجبون الصلاة على أحد من أهل القبلة. وقال الأوزاعيّ: يصلّى على المرجوم، وعلى المصلوب إذا أُرسل من خشبة. وقال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي في المرجوم: يُغسل، ويكفّن، ويصلَّى عليه.

وقال الشافعيّ: لا تترك الصلاة على أحد ممن صلى القبلة بَرّا كان أو فاجرًا.

وفيه قول ثان: كان الزهريّ، يقول: يصلَّى على الذي يقاد منه في حدّ، إلا من أُقِيد منه في رجم، وقال مالك في الرجل يُقتل قَوَدًا: لا يُصلّي عليه الإمام، ويصلي عليه أهله إن شاءوا، أو غيرهم، وقال أيضًا: من قتله الإمام على حدّ من الحدود فلا يصلّي الإمام عليه، وليصلّ عليه أهله. وقال أحمد في ولد الزنا، والذي يقاد منه في حدّ: يصلّى عليه، إلا أن الإمام لا يصلي على قاتل نفس، ولا على غالّ. وقال إسحاق: يصلّى على كلٍّ. وكان الحسن البصريّ، يقول: في امرأة ماتت في نفاسها من الزنا: لا


(١) - راجع "الفتح" ج ١٤ ص ٨٤ - ٨٨ "كتاب الحدود" رقم الحديث ٦٨١٥ - ٦٨١٦.