للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يُرجم غير المحصن. ومنها: أن الحبلى لا تُرجم حتى تضع حملها، سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه، لئلا يُقتَل جنينُها، وكذا لو كان حدّها الجلد، وهي حامل لم تُجلد بالإجماع حتى تضع، وكذا من وجب عليها قصاص، وهي حامل لا يُقتصّ منها حتى تضع، وهذا مجمع عليه أيضًا، ثم لا ترجم الحامل الزانية، ولا يقتصّ منها بعد وضعها حتى تسقي ولدها اللِّبَأ (١)، ويستغني بلبن غيرها. قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-. وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليل على أن الجنين، وإن كان مِن زنى له حرمة، وأن الحامل لا تحُدّ حتى تضع حملها، وهذا لا خلاف فيه، إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه. قاله في "المفهم".

ومنها: أن توبة الزاني لا تُسقط عنه حدِّ الزنا، وكذا حكم السرقة، والشرب، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا أصحّ القولين في مذهبنا، ومذهب مالك، والثاني أنها تُسقط ذلك، وأما توبة المحارب قبل القدرة عليه، فتسقط حدّ المحاربة بلا خلاف عندنا، وعند ابن عباس وغيره لا تسقط انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه عنه -: الرأي الأول هو الحقّ، لظاهر قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة: ٣٤]. واللَّه تعالى أعلم.

ومنها: استحباب جمع أثواب المرجومة عليها، وشدّها بحيث لا تنكشف عورتها في تقلّبها، وتكرارِ اضطرابها. قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واتفق العلماء على أنه لا ترجم إلا قاعدة، وأما الرجل فجمهورهم على أنه يُرجم قائمًا، وقال مالك: قاعدًا، وقال غيره: يخير الإمام بينهما انتهى.

ومنها: أن في رواية "فأمر الناسَ، فرجموها"، وكذا قوله في قصّة ماعز: "أمرنا أن نرجمه" دلالة لمذهب الشافعيّ، ومالك، وموافقيهما أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم، وكذا لو ثبت بشهود لم يلزمه الحضور. وقال أبو حنيفة، وأحمد: يحضر الإمام مطلقًا، وكذا الشهود، إن ثبت ببيّنة، ويبدأ الإمام بالرجم، إن ثبت بالإقرار، وإن ثبت بالشهود بدأ الشهود.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول الأوّل هو الراجح، لثبوت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يحضر الرجم، بل أمر الصحابة به.

وأما ما وقع في رواية أبي داود: أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أخذ حصاة مثل الحمّصة، فرماها به، فقال القرطبيّ: هي رواية شاذّة مخالفة للمشهور من حديث الغامديّة انتهى. واللَّه


(١) - اللّبَأ وزان عِنَبٍ: أول اللبن عند الولادة. اهـ "المصباح".