للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لها، وكان هذا من النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ليرتدع من يتساهل في أخذ الدين، حتى لا تتشوّش أوقاتهم عند المطالبة، وكان هذا كلّه في أول الإسلام، وقد حُكي أن الحرّ كان يباع في الدين في ذلك الوقت، كما قد رواه البزّار (١) من حديث رجل، من أصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يقال له: سُرَّق، ثم نُسخ ذلك كلّه بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠]. وقيل: إن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما كان يمتنع من الصلاة على من ادّان دينًا غير جائز، أو في سعة، والأول أظهر، لقول الراوي في الحديث: "فلما فتح اللَّه عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من تُوفّي، وعليه دين، فعليّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته". فهذا يعمّ الديون كلها، ولو افترق الحال لتعيّن التنويع، أو السؤال انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: إن قيل: أخرج البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، في "صحيحه " عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أذى اللَّه عنه، ومن أخذ يُريد إتلافها أتلفه اللَّه".

وأخرج ابن ماجه، وابن حبّان، والحاكم، من حديث ميمونة - رضي اللَّه عنهما -: "ما من مسلم يَدَّان دينًا يعلم اللَّه أنه يريد أداءه، إلا أدّى اللَّه عنه في الدنيا".

وأخرج ابن ماجه، والحاكم أيضًا من طريق محمد بن عليّ، عن عبد اللَّه بن جعفر - رضي اللَّه عنه - أنه كان يستدين، فسُئل؟، فقال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "إن اللَّه مع الدائن حتى يَقضي دينه".

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وإسناده حسن (٣)، لكن اختلف فيه على محمد بن عليّ، فراوه الحاكم أيضًا من طريق القاسم بن الفضل، عن عائشة بلفظ: "ما من عبد كانت له نيّةٌ في وفاء دينه إلا كان له من اللَّه عون، قالت: فانا ألتمس ذلك العون" (٤)، وساق له شاهدًا من وجه آخر، عن القاسم، عن عائشة - رضي اللَّه عنها - (٥).

فهذه الأحاديث تدلّ على استحسان الاستدانة، فكيف ترك النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - الصلاة على جميع من عليه دين، إلا إذا ترك له وفاء؟.


(١) - انظر مختصر "مسند البزّار" ج ١ ص ٥٣١ رقم الحديث ٩٢٩، وهو حديث ضعيف في سنده عبدالرحمن بن البيلمانيّ ضعيف، ومسلم بن خالد الزنجيّ، مختلف فيه.
(٢) - "المفهم" ج ٤ ص ٥٧٤ - ٥٧٥. "كتاب الوصايا والفرائض".
(٣) - انظر "صحيح الجامع الصغير" للشيخ الألبانيّ، ولفظه: "إن اللَّه تعالى مع الدائن، حتى يقضي دينه، ما لم يكن دينه فيما يكره اللَّه". ج ١ ص ٣٧٤. رقم ١٨٢٥.
(٤) - صحيح أخرجه أحمد، والحاكم. انظر "صحيح الجامع" ج ٢ ص ١٠٠٠ رقم ٥٧٣٤.
(٥) - راجع "الفتح" ج ٥ ص ٣٣٢ - ٣٣٣. "كتاب الاستقراض" رقم ٢٣٨٧. ونقلته بتصرّف.