(وَقِهِ عَذَابَ القَبْرِ) أي احفظه من أن يناله عذاب في قبره (وَعَذَابَ النَّارِ) أي احفظه عذاب جهنّم، وفي الرواية التالية بدل قوله: "وقه عذاب القبر الخ": "وأدخله الجنّة، ونجّه من النار"، أو قال: "وأعذه من عذاب القبر" (قَالَ: عَوْفٌ) أي ابن مالك - رضي اللَّه عنه - الرواي لهذا الحديث (فَتَمَنَّيْتُ، أَنْ) هي مخففة من "أنّ" المشدّدة، واسمها محذوف، أي أنّي لو كنتُ، قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة":
وَإنْ تُخَفَّفْ "أَنَّ" فَاسْمُهَا اسْتَكَنَّ … وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ "أَنْ"
وَإِنْ يَكُنْ فِعْلًا وَلَمْ يَكُنْ دُعَا … وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا
فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِـ"قَدْ" أَوْ نَفْي أوْ … تَنْفِيسٍ أوْ "لَو" وَقَلِيلٌ ذِكْرُ "لَو"
(لَوْ كُنْتُ الْمَيِّتَ) "ال" فيه للعهد الذكريّ، أي ذلك الميت الذي في قوله: "صلى على جنازة"، ويحتمل أن تكون للعهد الحضوريّ باعتبار وقت التمنّي، أي الميت الحاضر بين يدي النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -.
فإن قلت: تقدّم حديث النهي عن تمنّي الموت، فكيف تمنّى عوف - رضي اللَّه عنه - ذلك؟. قلت: هذا ليس من باب تمنّي الموت، لأنه لا يلزم من تمنّيه دعاءَ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يتمنّى الموت، إذ المراد تمنّى دعائه إذا جاءه الموت عند انقضاء أجله، لا أنه يتمنّى الموت الآن، فافهم. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. (لِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لِذَلِكَ المَيِّتِ) الجارّ والمجرور الأول يتعلّق بـ "تمنّيت"، والثاني بـ "دعاء"، يعني أنه إنما تمنّى أن يكون ذلك الميتَ لأجل أن تناله بركة دعاء النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته: حديث عوف بن مالك - رضي اللَّه عنه - هذا أخرجه مسلم.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٧٧/ ١٩٨٣ - و ١٩٨٤ و ٥٠/ ٦٢ - وفي "الكبرى" ٧٧/ ٢١١٠ و ٢١١١. وأخرجه (م) ٢٢٢٩ و ٢٢٣١ (ت) ١٠٢٥ (ق) ١٥٠٠ (أحمد) ٢٣٤٥٥ و ٢٣٤٨٠. واللَّه تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: في فوائده:
منها: ما بوّب له المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وهو مشروعيّة الدعاء في صلاة الجنازة، وهو معظم مقصودها. ومنها: مشروعية الصلاة على الجنازة، وقد تقدّم البحث عنه مستوفًى. ومنها: استحباب هذا الدعاء. ومنها: أن فيه إشارة إلى الجهر