الأولى قرأ أم القرآن، ولا بدّ، وصلّى على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإن دعا للمسلمين فحسن، ثم يدعو للميت في باقي الصلاة.
أما قراءة أم القرآن، فلأن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - سماها صلاة بقوله:"صلّوا على صاحبكم"، وقال - عليه السلام -: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن". ثم أخرج بسنده حديث ابن عباس المذكور في الباب، وحديث أبي أمامة بن سهل، والضحّاك بن قيس الآتي. قال: وعن ابن مسعود: أنه كان يقرأ على الجنازة بأم الكتاب. وأورد أيضًا أثر المسور ابن مخرمة المتقدّم، قال: فرأى ابن عباس، والمسور بن مخرمة المخافتة ليست فرضًا. وعن أبي هريرة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وأنس بن مالك: أنهم كانوا يقرؤون بأم القرآن، ويدعون، ويستغفرون بعد كلّ تكبيرة، من الثلاث في الجنازة، ثم يكبّرون، وينصرفون، ولا يقرؤون. وعن معمر، عن الزهريّ، سمعت أبا أمامة بن سهل بن حُنيف، يحدّث سعيد بن المسيّب، قال: السنّة في الصلاة على الجنائز أن تكبّر، ثم تقرأ بأم القرآن، ثم تصلي على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم تخلص الدعاء للميت، ولا تقرأ إلا في التكبيرة الأولى، ثم يسلم في نفسه عن يمينه.
وعن ابن جريج: قال: قال ابن شهاب: القراءة على الميت في الصلاة في التكبيرة الأولى. وعن ابن جريج، عن مجاهد في الصلاة على الجنازة: يكبّر، ثم يقرأ بأمّ القرآن، ثم يصلي على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم ذكر دعاء. وعن سفيان الثوريّ، عن يونس بن عبيد، عن الحسن: أنه كان يقرأ بفاتحة الكتاب في كلّ تكبيرة في صلاة الجنازة. وهو قول الشافعيّ، وأبي سليمان -يعني داود الظاهريّ- وأصحابهما.
قال أبو محمد: واحتجّ من منع من قراءة القرآن فيها بأن قالوا: روي عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أخلصوا له الدعاء". قال: هذا حديث ساقط، ما روي قط من طريق يُشتغل بها. ثم لو صحّ لما منع من القراءة، لأنه ليس في إخلاص الدعاء للميت نهي عن القراءة، ونحن نخلص له الدعاء، ونقرأ كما أمرنا.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "حديث ساقط" فيه نظر، بل هو حديث صحيح، رواه أبو داود، وابن ماجه، من طريق محمد بن إسحاق، وهو حجة، لكنه يدلّس، وقد صرّح في بعض طرقه عند ابن حبّان بالتحديث (١)، فزالت تهمة التدليس، فالجواب الصحيح عن اعتراضهم هو ما ذكره بعد هذا، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم.
(١) - قال ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "صحيحه": "ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن ابن إسحاق لم يسمع هذا الخبر من محمد بن إبراهيم"، ثم أخرجه بسنده، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن إبراهيم .... الخ.