للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال وقالوا: قد روي عن أبي هريرة أنه سئل عن الصلاة على الجنازة؟ فذكر دعاء، ولم يذكر قراءة. وعن فَضَالة بن عُبيد أنه سئل أيقرأ في الجنازة بشيء من القرآن؟ قال: لا. وعن ابن عمر أنه كان لا يقرأ في صلاة الجنازة.

قال أبو محمد: فقلنا: ليس عن واحد من هؤلاء أنه لا يقرأ فيها بأم القرآن، ونعم نحن نقول: لا يقرأ فيها بشيء من القرآن إلا أم القرآن (١)، فلا يصحّ خلاف بين هؤلاء، وبين من صرّح بقراءة القرآن من الصحابة، كابن عبّاس، والمسور، والضحّاك بن قيس، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وأنس، لا سيما وأبو هريرة لم يذكر تكبيرًا، ولا تسليمًا، فبطل أن يكون لهم به متعلّق. وقد روي عنه قراءة القرآن في الجنازة، فكيف، ولو صحّ عنهم في ذلك خلاف، لوجب الردّ عند تنازعهم إلى ما أمر اللَّه تعالى بالردّ إديه، من القرآن والسنّة، وقد قال - عليه السلام -: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم

القرآن". وقالوا: لعلّ هؤلاء قرؤوها على أنها دعاء.

فقلنا: هذا باطل، لأنهم ثبت عنهم الأمر بقراءتها، وأنها سنتها، فقول من قال: لعلهم قرؤوها على أنها دعاء كذب بحت. ثم لا ندري ما الذي حملهم على المنع من قراءتها حتى يتقحّموا في الكذب بمثل هذه الوجوه الضعيفة. والعجب أنهم أصحاب قياس، وهم يرون أنها صلاة، ويوجبون فيها التكبير، واستقبال القبلة، والإمامة للرجال، والطهارة، والسلام، ثم يسقطون القراءة.

فان قالوا: لما سقط الركوع، والسجود، والجلوس، سقطت القراءة.

قلنا: ومن أين يوجب هذا القياس دون قياس القراءة على التكبير والتسليم؟ بل لو صحّ القياس لكان قياس القراءة على التكبير، والتسليم -لأن كل ذلك ذكر باللسان- أولى من قياس القراءة على عمل الجسد، ولكن هذا علمهم بالقياس والسنن. وهم يعظّمون خلاف العمل بالمدينة، وههنا أريناهم عمل الصحابة، وسعيد بن المسيّب، وأبي أمامة، والزهريّ، علماءِ المدينة، وخالفوهم. وباللَّه تعالى التوفيق. انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: إنما نقلت كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وإن كان فيه طول لكونه اشتمل على تفنيد آراء القائلين بعدم مشروعيّة قراءة الفاتحة في الصلاة على الجنازة، مع صحة السنة بذلك.


(١) - قلت: هذا غير صحيح، بل صحّ قراة سورة مع الفاتحة في حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - المذكور، فتبصّر.
(٢) - "المحلى" ج ٥ ص ١٢٩ - ١٣١.