والحاصل أن وجوب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، هو المذهب الحقّ، وإن زاد سورة، فحسن، لصحة حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - المذكور في الباب. وأما قول ابن حزم في خلال كلامه السابق:"لا يقرأ فيها بشيء من القرآن إلا بأم القرآن"، ففيه نظر لا يخفى؛ لما عرفت من صحة السنة بقراءة سورة مع الفاتحة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: أنه لا يُشرع دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، خلافًا لمن زعم ذلك:
قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لم نجد في الأخبار التي جاءت عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال بعد أن افتتح الصلاة على الجنازة، كما قال بعد أن افتتح الصلاة المكتوبة قولاً، ولا وجدنا ذلك عن أصحابه، ولا عن التابعين. وقد كان الثوريّ، وإسحاق بن راهويه يستحبّان أن يقول المرء بعد التكبيرة الأولى من الصلاة على الجنازة:"سبحانك اللهم، وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك"، وذُكر ذلك لأحمد، فقال: ما سمعت.
قال ابن المنذر: ولم أجد ذكر ذلك في كتب سائر علماء الأمصار، فإن قاله قائل، فلا شيء عليه، وإن تركه، فلا شيء عليه انتهى كلامه (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مما يخالف مذهبه الذي التزمه في مؤلفاته النافعة، وهو اتباع الآثار الصحيحة، وقد اعترف هو نفسه بأنه لم يثبت ذلك عنده، فلِمَاذا خيّر بين الأمرين، إن هذا منه لشيء عجيب.
فالصواب أن لا يقرأ الاستفتاح المذكور، لعدم ثبوت ذلك عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، بل الثابت عنه إخلاص الدعاء للميت، فقد أمر به، فما زاد على الدعاء لا بدّ من أن يثبت بنقل صحيح حتى يُعمَل به، مثل قراءة الفاتحة، وسورة، والصلاة على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -.
والحاصل أن السنة أن يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، وإن زاد سورة، فحسن، ثم يكبّر، ثم يصلّي على النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم يكبّر، ثم يدعو للميت، ثم يكبّر، ثم يسلّم، كما سيأتي في حديث أبي أمامة بن سهل - رضي اللَّه عنه -، قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الخامسة: في اختلاف أهل العلم في التسليم على الجنازة:
قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: اختلف أهل العلم في عدد التسليم على