للوجوب، لأنه علّقه بالإرادة، ففيه الردّ على بعض من قال: إن زيارتها واجبة -كابن حزم- مستدلّا بلفظ الأمر، حيث إنه للوجوب. واللَّه تعالى أعلم.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هذا من الأحاديث التي تَجمَع بين الناسخ والمنسوخ، وهو صريح في نسخ نهي الرجال عن زيارتها، وأجمعوا على أن زيارتها سنّة، وأما النساء ففيهنّ خلاف لأصحابنا انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: سيأتي أن الراجح هو الجواز للنساء أيضًا؛ لقوة دليله. واللَّه تعالى أعلم.
(وَنَهَيتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ) أي عن أكل لحومها (فَوْقَ ثَلَاَثةِ أَيَّامٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ) ولفظ الرواية التَالية: "فكلوا، وأطعموا، وادخروا، ما بدا لكم".
وسبب نهيه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، هو ما سيأتي للمصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في "كتاب الأضاحي" برقم ٤٤٣١ - من طريق عمرة، عن عائشة، - رضي اللَّه عنها - قالت: دَفَّت دَافّة من أهل البادية، حضرةَ الأضحى، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كلوا، وادخروا ثلاثا، فلما كان بعد ذلك، قالوا: يا رسول اللَّه، إن الناس كانوا ينتفعون من أضاحيهم، يُجَمِّلُون منها الوَدَكَ، ويتخذون منها الأسقية، قال: وما ذاك؟ قال: الذي نهيت من إمساك لحوم الأضاحي، قال: "إنما نهيت للدافّة التي دَفّت، كلوا، وادخروا، وتصدقوا".
والدّافّة بتشديد الفاء: الجماعة التي تسير سيرًا ليّنًا، وسيأتي تمام ما يتعلّق به هناك، إن شاء اللَّه تعالى
(وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ) فعيل بمعنى مفعول، يقال: نَبَذْته نَبْذًا، من باب ضرب: ألقيتُهُ، فهو منبوذ، وصبيّ منبوذ: مطروح، ومنه سمي النبيذ؛ لأنه يُنبَذ، أي يُترك حتى يشتدّ. قاله في "المصباح".
والمعنى نهيتكم عن شرب النبيذ، في الظروف (إِلَّا) حالة كونه (فِي سِقَاءٍ) أي قِرْبَة. ولفظ الرواية التالية: "وذكرت لكم أن لا تنتبذوا في الظروف: الدبّاء، والمزفّت، والنقير، والحنتم" (فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا) ولفظ، "الكبرى": "في الأوعية كلها"، وهو بوزن "الأسقية" ومعناها. قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أي الظروف، وإلا لا يصحّ المقابلة انتهى (وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا") ولفظ الرواية التالية: "انتبذوا فيما رأيتم، واجتنبوا كلّ مسكر".