للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأجعوا على أن الحيّ إذا كان له في ذمة الميت حقّ من الحقوق، فأحله منه أنه ينفعه، ويبرأ منه كما يسقط من ذمة الحيّ. فإذا سقط من ذمة الحيّ بالنصّ، والإجماع مع إمكان أدائه له بنفسه، ولو لم يرض به، بل رده، فسقوطه من ذمة الميت بالإبراء حيث لا يمكن من أدائه أولى وأحرى، وإذا انتفع بالإبراء والإسقاط، فكذلك ينتفع بالهبة والإهداء، ولا فرق بينهما، فإن ثواب العمل حقّ المهدي الواهب، فإذا جعله للميت انتقل إليه، كما أن ما على الميت من الحقوق من الدين وغيره، وهو محض حقّ الحيّ، فإذا أبرأه وصل الإبراء إليه، وسقط من ذمته، فكلاهما حقّ للحيّ، فأي نصّ، أو قياس، أو قاعدة من قواعد الشرع يوجب وصول أحدهما، ويمنع وصول الآخر.

هذه النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحيّ عنه، وهذا محض القياس، فإن الثواب حقّ العامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك كما لم يمنع من هبة ماله في حياته، وإبرائه له من بعد موته.

وقد نبّه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بوصول ثواب الصوم الذي هو مجرد ترك، ونيّة تقوم بالقلب لا يطّلع عليه إلا اللَّه، وليس بعمل الجوارح على وصول ثواب القراءة التي هي عمل باللسان تسمعه الأذن، وتراه العين بطريق الأولى.

ويوضحه أن الصوم نية محضة، وكفّ النفس عن المفطرات، وقد أوصل اللَّه ثوابه إلى الميت، فكيف بالقراءة التي هي عمل ونيّة، بل لا تفتقر إلى النية، فوصول ثواب الصوم إلى الميت فيه تنبيه على وصول سائر الأعمال.

والعبادات قسمان: مالية، وبدنيّة، وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول ثواب سائر العبادات المالية، ونبه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية، وأخبر بوصول ثواب الحجّ المركّب من المالية والبدنيّة، فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنصّ والاعتبار. وباللَّه التوفيق. انتهى المقصود من كلام ابن القيم -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وهذا الذي قرره ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- من وصول ثواب جميع أعمال البر إلى الميت هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فقد سئل عن قراءة أهل الميت، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، هل تصل إذا أهديت إلى الميت؟ فأجاب: بأنه يصل إلى الميت قراءة أهله، وتسبيحهم، وتكبيرهم، وسائر ذكر اللَّه تعالى، إذا أهدوه إليه (٢).


(١) - "الروح" ج ١٨٧ - ١٩٥.
(٢) - "مجموع الفتاوى" ج ٢٤ ص ٣٢٤.