وقال أيضًا: وأما القراءة، والصدقة، وغيرهما من أعمال البرّ، فلا نزاع بين علماء السنة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية، كالصدقة، والعتق، كما يصل أيضا الدعاء، والاستغفار، والصلاة عليه صلاة الجنازة، والدعاء عند قبره. وتنازعوا في وصول الأعمال البدنيّة، كالصوم والصلاة، والقراءة، والصواب أن الجميع يصل إليه. انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي رجحه الإمامان: ابن تيمية وابن القيم -رحمهما اللَّه تعالى- من وصول ثواب جميع الأعمال إلى الميت هو الصواب عندي، إلا أني متوقف في قراءة القرآن والتسبيح والتكبير ونحوها؛ لعدم ورود النصّ بذلك، فإن الصحابة - رضي اللَّه عنهم - كانوا أحرص الناس على الخير، وكان القرآن أعظم شيء عندهم، فما كانوا يقرءونه للأموات، ولا سألوا النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - عنه. ولا أرشدهم هو إليه، فهذا كله مما يحمل على التوقف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: أقوى ما استدلّ به المانعون عن انتفاع الميت بعمل غيره مطلقًا قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: ٣٩] وقد أجاب المحققون عن الآية بأجوبة: فقيل: المراد بالإنسان الكافر، وقيل: إن الآية إخبار بشرع من قبلنا. وقيل: اللام بمعنى "على"، أي وليس على الإنسان إلا ما سعى. وقيل: في الكلام حذف تقديره: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، أو سُعي له. وقيل: الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية [الطور: ٢١]. وقيل: المراد بالإنسان ههنا الحيّ، دون الميت.
وقالت طائفة أخرى، وهو جواب أبي الوفاء بن عقيل، قال: الجواب الجيّد عندي أن يقال: الإنسان بسعيه، وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأَولَدَ الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير، وتودّد إلى الناس، فترحموا عليه، وأهدوا له العبادات، وكان ذلك أثر سعيه. كما قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه". ويدلّ عليه قوله في الحديث الآخر:"إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: علم يُنتفع به من بعده، وصدقة جارية عليه، أو ولد صالح يدعو له".
قال ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هذا جواب متوسط، يحتاج إلى تمام، فإن العبد بإيمانه، وطاعته للَّه ورسوله قد سعى في انتفاعه بعمل إخوانه المؤمنين مع عمله كما ينتفع بعملهم في الحياة مع عمله، فإن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها، كالصلاة في جماعة، فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفا لمشاركة غيره له في الصلاة، فعمل غيره كان سببا لزيادة أجره كما أن