عمله سبب لزيادة أجر الآخر، بل قد قيل: إن الصلاة يضاعف ثوابها بعدد المصلين، وكذلك اشتراكهم في الجهاد، والحجّ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعاون على البرّ والتقوى، وقد قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا، وشبّك بين أصابعه". ومعلوم أن هذا بأمور الدين أولى منه بأمور الدنيا، فدخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته، وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم.
وقد أخبر اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- عن حملة العرش، ومن حولهم أنهم يستغفرون للمؤمنين، ويدعون لهم، وأخبر عن دعاء رسله، واستغفارهم للمؤمنين، كنوح، وإبراهيم، ومحمد صلى اللَّه عليهم وسلم، فالعبد بإيمانه قد تسبب إلى وصول هذا الدعاء إليه، فكأنه من سعيه.
يوضّحه أن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- جعل الإيمان سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين، وسعيهم، فإذا أتى به، فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه، وقد دلّ على ذلك قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لعمرو بن العاص:"إن أباك لو كان أقرّ بالتوحيد نفعه ذلك"، يعني العتق الذي فعل عنه بعد موته، فلو أتى بالسبب لكان قد سعى في عمل يوصل إليه ثواب العتق. وهذه طريقة حسنةٌ جدًا.
وقالت طائفة أخرى: القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه، وهو سبحانه لم يقل: لا ينتفع إلا بما سعى، وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تعالى-، ورجحه.
فقد قال -كما في مجموع الفتاوى-: وأما الآية فللناس عنها أجوبة متعدّدة، كما قيل: إنها تختصّ بشرع من قبلنا. وقيل: إنها مخصوصة. وقيل: إنها منسوخة. وقيل: إنها تنال السعي (١) مباشرة، وسببًا، والإيمان من سعيه الذي تسبب فيه. ولا يحتاج إلى شيء من ذلك، بل ظاهر الآية حقّ، لا يخالف بقية النصوص، فإنه قال:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: ٣٩]، وهذا حقّ، فإنه إنما يستحقّ سعيه، فهو الذي يملكه، وسيتحقّه، كما أنه إنما يملك من المكاسب ما اكتسبه هو، وأما سعي غيره فهو
(١) - هكذا النسخة، ولعله لا تُنَافي السعي الخ. أو نحو ذلك، فليحرر.