للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيضًا. ولا مانع أن يكون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال اللفظين معًا، فإنه لا تعارض بينهما.

وقال ابن التين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لا معارضة بين حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، والآية؛ لأن الموتى لا يسمعون بلا شكّ، لكن إذا أرد اللَّه إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع، كقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} الآية [الأحزاب: ٧٢]، وقوله: {فَقَالَ: لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} الآية [فصّلت: ١١].

وقال البيهقيّ: العلم لا يمنع من السمع، والجواب عن الآية أنه لا يُسمعهم، وهم موتى، ولكن اللَّه أحياهم حتى سمعوا، كما قال قتادة. ولم ينفرد عمر، ولا ابنه بحكاية ذلك، بل وافقهما أبو طلحة، وللطبرانيّ من حديث ابن مسعود مثله، بإسناد صحيح. ومن حديث عبد اللَّه بن سِيدان نحوه، وفيه: قالوا: يا رسول اللَّه، وهل يسمعون؟ قال: يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون". وفي حديث ابن مسعود: "ولكنهم اليوم لا يُجيبون".

ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق روايةِ يونس بن بُكير بإسناد جيّد عن عائشة مثلُ حديث أبي طلحة، وفيه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"، وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظًا، فكأنها رجعت عن الإنكار لَمَّا ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة؛ لكونها لم تشهد القصّة.

وقال الإسماعيلي: كان عند عائشة من الفهم، والذكاء، وكثرة الرواية، والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى ردّ رواية الثقة إلا بنصّ مثله، يدلّ على نسخه، أو تخصيصه، أو استحالته، فكيف، والجمع بين الذي أنكرته، وأثبته غيرها ممكن؛ لأن قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لا ينافي قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنهم الآن يسمعون "، لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فاللَّه تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك. وأما جوابها بأنه إنما قال: إنهم ليعلمون، فإن كانت سمعت ذلك، فلا ينافي رواية "يسمعون"، بل يؤيدها.

وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في الآية المذكورة، وكذلك في المراد بـ "مَنْ في القبور"، فحملته عائشة على الحقيقة، وجعلته أصلاً احتاجت معه إلى تأويل قوله: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"، وهذا قول الأكثر. وقيل: هو مجاز، والمراد بالموتى، وبمن في القبور الكفّار، شُبّهوا بالموتى، وهم أحياء، والمعنى من هم في حال الموتى، أو في حال من سكن القبر، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة - رضي اللَّه عنها -. واللَّه تعالى أعلم. انتهى ما في "الفتح" بتصرّف (١). واللَّه تعالى أعلم


(١) - "فتح" ج ٣ ص ٦٠٢ - ٦٠٣. "كتاب الجنائز" - "باب ما جاء في عذاب القبر" وج ٨ ص ٣٥ "كتاب المغازي" - "باب قتل أبي جهل".