للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلا يجوز "فعليه بزيد"، وأما "فعليه بالصوم"، فإنما حسن لتقدّم الخطاب في أول الحديث "عليكم بالباءة"، كأنه قال: ومن لم يستطع منكم، فالغائب في الخبر في معنى المخاطب انتهى. وسيأتي تمام البحث في هذا في "كتاب النكاح"، إن شاء اللَّه تعالى.

وفيه فضيلة للصوم، حيث كان مانعًا عن الوقوع في المعاصي، وهذا هو أصل الحكمة في مشروعيته، كما قال اللَّه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣]. وفيه أيضًا أن تشريك النيّة في مثل ذلك لا يضرّ بإخلاص العبادة، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر الشباب بالصوم لكسر شهواتهم، فيدلّ على أنه إذا صام الإنسان احتسابًا، وكسرًا لشهوته جاز صومه، ونال الأجر، ومثل ذلك من يصوم احتسابًا، وتخفيفًا للسمن، ونحو ذلك. واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِنَّهُ) أي الصوم (لَهُ) أي للفرج ("وِجَاءٌ") بكسر الواو، والمدّ، قال في "النهاية": الوِجَاء أن تُرَضّ أُنثَيَا الفحل رَضّا شديدًا، يُذهِب شهوة الجماع، ويتنزّلُ في قطعه منزلةَ الخَصْي، وقد وُجِىء وِجَاءً، فهو مَوْجُوءٌ. وقيل: هو أن تُوجَأ العروق، والْخُصيتان (١) بحالهمَا، أراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطع الوجاءُ. وروي "وَجًى" بوزن عَصَا، يريد التعب والْحَفَى، وذلك بَعِيدٌ، إلا أن يراد فيه معنى الفتور؛ لأن من وُجِىء فَتَرَ عن المشي، فشَبَّهَ الصوم في باب النكاح بالتعب في باب المشي انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث عبد اللَّه بن مسعود هذا متفق عليه، وسيأتي تمام شرحه، والكلام على مسائله في "النكاح" "باب الحثّ على النكاح" -٣/ ٣٢٠٦ - إلى ٣٢١١ - إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٢٤٠ - (أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ, عَنْ شُعْبَةَ, عَنْ سُلَيْمَانَ, عَنْ إِبْرَاهِيمَ, عَنْ عَلْقَمَةَ, أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ, لَقِيَ عُثْمَانَ بِعَرَفَاتٍ, فَخَلَا بِهِ, فَحَدَّثَهُ, وَأَنَّ عُثْمَانَ, قَالَ لاِبْنِ مَسْعُودٍ: هَلْ لَكَ فِي فَتَاةٍ, أُزَوِّجُكَهَا, فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ, عَلْقَمَةَ, فَحَدَّثَهُ, أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ, فَلْيَتَزَوَّجْ, فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ, وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ, وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ, فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا طريق ثان لرواية الأعمش، فـ"سليمان": هو الأعمش المذكور في السند الماضي. و "إبراهيم": هو النخعيّ. وهذا الإسناد مما ذُكِر أنه


(١) - قال في "القاموس": الْخُصْيُ، والْخُصْيَة -بضمّهما، وكسرهما: من أعضاء التناسل. انتهى.
(٢) -"النهاية" ج ٥ ص ١٥٢.