ويشهد له ما أخرجه البيهقيّ، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن ابن المنكدر، عن أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -، قال: صنعتُ للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - طعامًا، فلما وُضع، قال رجل: أنا صائم، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "دعاك أخوك، وتكلّف لك، أَفطِر، وصُمْ مكانه إن شئت". قال الحافظ: وإسناده حسن.
وبما رواه البيهقيّ عن ابن مسعود، قال: إذا أصبحت، وأنت ناوي الصوم، فأنت بخير النظرين، إن شئت صمت، وإن شئت أفطرت". وبما رواه الدارقطنيّ، والبيهقيّ بإسناد صحيح عن جابر - رضي اللَّه عنه - أنه لم يكن يرى بإفطار المتطوّع بأسًا. وروى الشافعيّ، والبيهقيّ بإسناد صحيح عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - مثله.
وبهذا قالت الشافعيّة، والحنابلة، وقالوا: إذا دخل في صوم التطوّع استحبّ له إتمامه، وإذا أفطر بعذر، أو بغير عذر، فلا إثم عليه، ولا يجب عليه القضاء، لكن يكره له الفطر بدون عذر، لعموم قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في الاستدلال بهذه الآية لهذه المسألة نظر لا يخفى؛ لأن هذا الفطر بإذن من الشارع، وما كان بإذنه ليس إبطالاً، وأيضًا إن الآية عامة، والأحاديث الدالة على جواز الفطر -كحديث الباب، وكحديث سلمان - رضي اللَّه عنه - المذكور- خاصة والخاصّ يقضي على العامّ. واللَّه تعالى أعلم.
قالوا: وخروجًا من خلاف من أوجب الإتمام، وإذا أفطر بعذر فلا كراهة، وعلى كل فيستحبّ قضاؤه.
وذهب أبو حنيفة في ظاهر الرواية، ومالك إلى أنه يجب إتمام ما شَرَع فيه من نفل الصوم، ولا يجوز فطره بلا عذر، للآية المتقدمة، فإن أفطر بلا عذر أثم، وعليه القضاء، وإن أفطر بعذر فلا إثم عليه، ولا قضاء عند المالكية، وأوجبه الحنفيّة.
قال الحافظ: وأغرب ابن عبد البرّ، فنقل الإجماع على عدم وجوب القضاء عمن أفسد صومه بعذر.
واحتجّ من أوجب القضاء بما روى الترمذيّ، والنسائيّ من طريق جعفر بن بُرقان، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة، قالت: كنت أنا، وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فبدرتني إليه حفصة، وكانت بنت أبيها، فقالت: يا رسول اللَّه … فذكرت ذلك، فقال: "اقضيا يومًا آخر مكانه".
قال الترمذيّ: رواه ابن أبي حفصة، وصالح بن أبي الأخضر، عن الزهريّ مثل هذا.
ورواه مالك، ومعمر، وزياد بن سعد، وابن عيينة، وغيرهم من الحفّاظ عن الزهريّ، عن عائشة مرسلاً، وهو أصحّ، لأن ابن جريج ذكر أنه سأل الزهريّ عنه، فقال: لم