قال الحافظ: ظاهره أنها تضيّق عليه حصرًا له فيها لتشديده على نفسه، وحمله عليها، ورغبته عن سنة نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، واعتقاده أن غير سنته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد، فيكون حرامًا انتهى.
وقال ابن التركماني: ظاهر هذا الحديث يقتضي المنع من صوم الدهر. وقد أورده ابن أبي شيبة في "باب من كره صوم الدهر". واستدلّ به ابن حزم على المنع، وقال: إنما أورده رواته كلهم على التشديد، والنهيِ عن صومه. وقال ابن حبّان:
"ذكر الأخبار عن نفي جواز سرد المسلم صوم الدهر". وذكر هذا الحديث.
واستدلّ للمنع أيضًا بما روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي عمرو الشيبانيّ، قال: بلغ عمر أن رجلا يصوم الدهر، فأتاه، فعلاه بالدّرّة، وجعل يقول: كُلْ يا دهريّ.
قال ابن حزم: قد صحّ عن عمر تحريم صيام الدهر، كما رويناه، فذكر هذا الأثر، ثم قال: هذا في غاية الصحّة عنه، فصح أن تحريم صوم الدهر كان من مذهبه، ولو كان عنده مباحًا لما ضرب فيه، ولا أمر بالفطر انتهى.
وبما روى ابن أبي شيبة أيضًا من طريق أبي إسحاق أن عبد الرحمن بن أبي نُعْم كان يصوم الدهر، فقال عمرو بن ميمون لو رآى هذا أصحابُ محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - لرجموه.
وبما روى الطبرانيّ عن عمرو بن سلمة، قال: سئل ابن مسعود عن صوم الدهر؟ فكرهه. قال الهيثميّ: إسناده حسن.
وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوي عليه، ولم يفوت فيه حقّا، وأفطر الأيام المنهيّ عنها، وإلى هذا ذهب الجمهور، منهم: مالك، والشافعيّ، وأحمد في رواية.
قال مالك في "الموطإ": إنه سمع أهل العلم يقولون لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عن صيامها، وذلك أحبّ ما سمعت إلى في ذلك انتهى.
وصرّح الزرقاني، وغيره من المالكية باستحبابه بالشروط المذكورة.
وقال النوويّ: مذهب الشافعي، وأصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيدين، والتشريق، لا كراهة فيه، بل هو مستحبّ بشرط أن لا يلحقه به ضرر، ولا يفوّت حقّا، فإن تضرّر، أو فوّت حقا فمكروه انتهى.
وقال ابن قُدامة: قال أبو الخطاب: إنما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين، وأيام التشريق؛ لأن أحمد قال: إذا أفطر يومي العيدين، وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس. وروي نحو هذا عن مالك، وهو قول الشافعيّ؛ لأن جماعة من الصحابة كانوا يسرون الصوم، منهم أبو طلحة. قال ابن قدامة: والذي يَقوَى عندي أن صوم