للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مصريّ، ثقة.

وقوله: "لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام الخ" كذا في رواية لمسلم، وفي لفظ للبخاريّ: "وكان عبد اللَّه يقول بعد ما كَبِرَ: يا ليتني قبدت رخصة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -"، ولمسلم: قال: فصرت إلى الذي قال لي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبيّ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.

ومعنى كلامه هذا: أنه كبر، وعجز عن المحافظة على ما التزمه، ووظّفه على نفسه عند رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فشقّ عليه فعله لعجزه، ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له، ولأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال له: "يا عبد اللَّه لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل"، فتمنى أن لو قبل الرخصة، فأخذ بالأخفّ.

ومع عجزه، وتمنّيه الأخذ بالرخصة لم يترك العمل بما التزمه، بل صار يتعاطى فيه نوع تخفيف، فقد ثبت عنه أنه كان حين ضعف، وكبر يصوم تلك الأيام كذلك، يصل بعضها إلى بعض، ثم يفطر بعدد تلك الأيام، فيقوى بذلك، وكان يقول: لأن أكون قبلت الرخصة أحبّ إليّ مما عُدل به، لكنني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره أفاده في "الفتح" (١).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: هذا إنما قاله عبد اللَّه لما انتهى من العمر إلى الكبر الذي كان النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قد أخبره به بقوله: "إنك لا تدري لعله يطول بك عمر"، قال: فصرت للذي قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال: فلما كبرتُ وددتُ أني كنت قبلت رخصة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - وهذا من عبد اللَّه يدلّ على أنه كان قد التزم الأفضل مما نقله إليه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والأكثر، إما بحكم التزامه الأول، إذ قال: لأصومنّ الدهر، ولأقومنّ الليل ما عشتُ، وإما بحكم أنه هو الحال الذي فارق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عليه، وكره أن ينقص من عمل فارق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عليه، فلم ير أن يرجع عنه، وإن كان قد ضعف عنه. واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

والحديث متّفق عليه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٢٣٩٣ - (أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ- عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ, عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, قُلْتُ: أَيْ عَمِّ حَدِّثْنِي, عَمَّا قَالَ: لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي, إِنِّي كُنْتُ أَجْمَعْتُ


(١) - "فتح" ج ٤ ص ٧٣٩ - ٧٤٠.
(٢) - "المفهم" ج ٣ ص ٢٢٧ - ٢٢٨.