للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"إبله" أن العقوبة بأخذ نصف المال إنما تكون في نوع المال الذي وجبت فيه الزكاة، لا في جميع ماله الذي يملكه، واللَّه تعالى أعلم.

فقوله: "شطرَ" بالنصب عطفًا على الضمير في "آخِذُوها" باعتبار محلّه.

وقال السنديّ: المشهور رواية سكون الطاء من "شطر" على أنه بمعنى النصف، وهو بالنصب عطف على ضمير "آخذوها"؛ لأنه مفعول، وسقط نون الجمع للاتصال، أو هو مضاف إليه، إلا أنه عطف على محلّه، ويجوز جرّه أيضًا. انتهى.

وقال ابن الأثير الجزريّ -رحمه اللَّه تعالى- في "النهاية": قال الحربيّ: غَلِطَ بَهْزٌ الراوي في لفظ الرواية, إنما هو "وشُطِّرَ مالُهُ"، أي يجعل ماله شطرين، ويَتخيّر الْمُصَدِّق، فيأخذ الصدقة من خير النصفين، عقوبةً لمنعه الزكاة، فأما ما لا تلزمه فلا.

وقال الخطّابيّ في قول الحربيّ: لا أعرف هذا الوجه. وقيل: معناه إن الحقّ مُسْتَوْفًى منه، غيرُ متروك عليه، وإن تلف شطر ماله، كرجل كان له ألف شاة مثلاً، فتلفت، حتى لم يبقَ له إلا عشرون، فإنه يُؤخذ منه عشر شِياه لصدقة الألف، وهو شطر ماله الباقي.

وهذا أيضًا بعيد؛ لأنه قال: "إنا آخذوها، وشطر ماله"، ولم يقل: إنا آخذو شطر ماله. وقيل: إنه كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات في الأموال، ثم نُسخ، كقوله في الثمر المعلّق: "من خرج بشيء منه، فعليه غرامة مثليه، والعقوبة". وكقوله في ضالّة الإبل المكتومة: "غرامتها، ومثلها معها". وله في الحديث نظائر. وقد أخذ أحمد بن حنبل بشيء من هذا، وعمل به، وقال الشافعيّ في القديم: من منع زكاة ماله أُخذت منه، وأُخذ شطر ماله، عقوبةً على منعه، واستدلّ بهذا الحديث، وقال في الجديد: لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير، وجعلَ هذا الحديث منسوخًا، وقال: كان ذلك حيث كانت العقوبات في المال، ثم نُسخت. ومذهب عامة الفقهاء أن لا واجب على متلف الشيء أكثر من مثله، أو قيمته انتهى كلام ابن الأثير (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: سيأتي تحقيق الخلاف، وترجيح الراجح في هذا في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.

(عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا) بالرفع على أنه خبر لمحذوف، أي هذه عزمةٌ. ويجوز نصبه على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، أي عَزَمَ اللَّهُ تعالى علينا هذا عزمةً. والعزمة في اللغة: الجدّ في الأمر، والمراد بها هنا الحقّ الواجب، وعزمات اللَّه تعالى حقوقه، وواجباته (٢).


(١) - انظر "النهاية" ج ٢ ص ٤٧٣ - ٤٧٤.
(٢) - راجع "النهاية" ج ٣ ص ٢٣٢.