للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعالى: فيه من الفقه أن كلّ واحدة من الشاتين، والعشرين درهما أصلٌ في نفسه، ليست ببدل، وذلك لأنه قد خيّره بينهما بحرف "أو" انتهى.

وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: حمله بعضهم على أن ذلك تفاوت قيمة ما بين الجذعة والحقّة في تلك الأيام، فالواجب هو تفاوت القيمة، لا تعيّن ذلك، فاستَدَلّ به على جواز أداء القيم في الزكاة. والجمهور على تعيين ذلك القدر برضا صاحب المال، وإلا فليطلب السنّ الواجب، ولم يُجوّزوا القيمة (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الجمهور عندي هو الأرجح؛ عملاً بظاهر النصّ. واللَّه تعالى أعلم.

(وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ) أي وجبت الحقّة عليه، لأجل أن كانت إبله ستا وأربعين (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ، وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ) وفي نسخة: "وليست عنده إلا جذَعة، فإنها تقبل منه" (فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ) أي تُقبل الجذعة عوضًا عن الحقّة، وإن كانت الجذعة زائدة على ما يلزمه، فلا يُكلّف تحصيل ما ليس عنده (وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ) -بضمّ الميم، وتخفيف الصاد، وكسر الدال المشدّدة، كمحدّثٍ: آخذ الصدقة، وهو الساعي الذي يأخذ الزكاة. وأما المصّدّق -بتشديد الصاد، والدال- فهو المزكّي، ولا يناسب هنا (عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أو شَاتَيْنِ، إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ) كما سلف في عكسه (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقبَلُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ، إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَو عِشْرِينَ دِرْهَمًا) قالَ الطيبيّ: فيه دليل على أن الخيرة في الصعود والنزول من السنّ الواجب إلى المالك انتهى. وعُلّل بأنهما شُرعتا تخفيفًا له، ففوّض الأمر إلى اختياره (٢) (وَمَنْ بَلَغَت عِندَهُ صَدَقَةُ ابنَةِ لَبُونٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلاَّ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وُيعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ) أي الساعي (عِشْرِينَ دِرهَمًا، أَوْ شَاتَيْن، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ لَبُونٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ بنتُ لَبُونٍ، وَعِنْدَهُ بنتتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنهُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ، إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَو عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عندَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ مَخَاضٍ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلاَّ ابْنُ لَبُونٍ، ذَكَرٌ) تقدّم وجه تقييده بالذكر، فلا تغفل (فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ) أي لا يلزمه مع ابن لبون شيء آخر من الجبران.

قال ابن الملك تبعًا للطيبيّ: وهذا يدلّ على أن فضيلة الأنوثة تُجبر بفضل السنّ. وقال الخطّابيّ: هذا دليلٌ على أن ابنة المخاض ما دامت موجودةً، فإن ابن اللبون لا يُجزىء عنها، وموجب هذا الظاهر أنه يُقبل منه، سواء كانت قيمته قيمة ابنة مخاض، أو


(١) -"شرح السنديّ" ج ٥ ص ٢٠.
(٢) - "المرعاة" ج ٦ ص ١١٠.