للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم تكن، ولو كانت القيمة مقبولة لكان الأشبه أن يُجعل بدل ابنة مخاض قيمتها، دون أن يأخذ الذكران من الإبل، فإن سنّة الزكاة قد جرت بأن لا يؤخذ فيها إلا الإناث إلا ما جاء في البقر من التَّبِيع.

وزعم بعض أهل العلم أنه إذا وجد قيمة ابنة مخاض لم يُقبل منه ابن لبون؛ لأن واجد قيمتها كواجد عينها؛ ألا ترى أن من وجد ثمن الرقبة في الظهار لم ينتقل إلى الصيام؟.

قلت: وهذا خلاف النصّ، وخلاف القياس الذي قاله، وتمثّل به، وذلك أنه قال في الآية: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} الآية [النساء: ٩٢]. فعلّق الحكم بالوجود، ووجودُ القيمة وجود لما يتقوّم بها، وإنما قال في الحديث: "ومن بلغت صدقته ابنة مخاض، وليس عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه". فعلق الحكم بكونه عنده، لا بقدرته عليه، فالأمران مختلفان انتهى كلام الخطابيّ (١).

وفيه دليل على أن ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض عند عدمها، وهو أمر متفقٌ عليه، لا خلاف في ذلك عند الأئمة، حكى هذا الإجماع جمع من الشُّرّاح، كالباجيّ، وابن قدامة، وابن رُشد، والحافظ.

لكن المدار عند الحنفيّة على القيمة، وعليه حمَلُوا الحديث بأن ابن اللبون كانت قيمته مساوية لقيمة بنت المخاض في ذلك الزمان، فعند الحنفيّة لا يتعيّن أخذ ابن اللبون، خلافًا لمن عداهم من أهل العلم، فإنه يتعيّن عندهم أخذه، وهو الحقّ والصواب.

ولو لم يجد واحدًا منهما، لا ابنة مخاض، ولا ابن لبون يتعيّن عليه شراء بنت مخاض، وهو قول مالك، وأحمد. والأصحّ عند الشافعيّة أن له أن يشتري أيهما شاء؛ لظاهر الخبر، وعمومه (٢).

وحجة الأولين أنهما استويا في العدم، فلزمته بنت مخاض، كما لو استويا في الوجود، والحديث محمول على وجوده، لأن ذلك للرفق به؛ إغناءً له عن الشراء، ومع عدمه لا يستغني عن الشراء، فكان شراء الأصل أولى، ذكره ابن قدامة (٣).


(١) -"معالم السنن" ج ٢ ص ١٨١ - ١٨٢.
(٢) - وعبارة الحافظ: وهذا الحكم متفق عليه، فلو لم يجد واحدًا منهما، فله أن يشتري أيهما شاء على الأصحّ عند الشافعيّة. وقيل: يتعيّن شراء بنت مخاض، وهو قول مالك، وأحمد انتهى فتح ج٤ ص ٧٨.
(٣) - راجع "المرعاة" ج ٦ ص ١١١ - ١١٢.