قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله مالك، وأحمد -رحمهما اللَّه تعالى- عندي أرجح، لأن قوله في حديث الباب:"وليس عنده إلا ابن لبون" يؤيّد هذا المعنى؛ حيث شرط في قبول ابن اللبون مكان ابنة المخاض أن يوجد ابن اللبون، مع فقدها. فيفيد أنه إذا عُدما معًا لا بدّ منها. واللَّه تعالى أعلم.
(وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنَ الإِبلِ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ) أي لا يجب عليه فيها إعطاء شيء؛ لكونها دون النصاب (إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) أي إلا أن يريد صاحب الإبل الأربع أن يتصدّق بشيء منها، تبرّعًا، فله ذلك. واللَّه تعالى أعلم.
(وفي صدقة الغنم) متعلق بفعل محذوف، أي يَجب في صدقة الغنم، وقوله:"شاة" هو الفاعل، أو متعلّق بمبتدإ مقدّر، أي الواجب في صدقة الغنم، وخبره قوله:"شاةٌ". وقوله (في سائمتها) بدل مما قبله، وفي تكرار الجارّ إشارة إلى أن للسوم في هذا الجنس مَدْخلاً قويًا. واللَّه تعالى أعلم.
و"السائمة": هي التي ترعى، ولا تُعلف في الأهل، والمراد بالسوم لقصد الدّرّ والنسل، فلو أُسيمت الإبل، أو البقر، أو الغنم للحمل، أو الركوب، أو اللحم، فلا زكاة فيها، وإن أُسِيمت للتجارة ففيها زكاة التجارة، وإن كانت أقْلّ من النصاب إذا ساوت مائتي درهم.
والمعتبر عند أحمد، وأبي حنيفة السوم في أكثر الحول؛ لأن اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير؛ ولأن العلف اليسير لا يمكن التحرّز عنه، فاعتباره في جميع السنة يُسقط الزكاة بالكليّة، سيما عند من يسوغ له الفرار من الزكاة، فإنه إذا أراد إسقاط الزكاة أسامها يومًا فأسقطها بالإسامة؛ ولأن الضرورة تدعو إليه في بعض الأحيان، ولأن هذا وصفٌ معتبر في رفع الكلفة في الزرع والثمار. واعتبر الشافعيّ السوم في جميع الحول، فلا تجب الزكاة فيها إذا لم تكن سائمة في جميع السنة.
وسيأتي تمام البحث في زكاة الغنم في بابه -١٠/ ٢٤٥٥ - إن شاء اللَّه تعالى.
(إِذَا كَانَتْ) الغنم (أَرْبَعِينَ) وقوله (فَفِيهَا) توكيد لقوله: "في صدقة الغنم"، وقوله (شَاة) فاعل للفعل المقدّر على الوجه الأول، أو خبر المبتدإ المقدّر على الوجه الثاني، كما أسلفته (إِلَى عِشْرِينَ ومِائَةٍ، فَإذَا زَادَتْ وَاحِدَةً) فصاعدًا، ففي كتاب عمر - رضي اللَّه عنه -: "فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة حتى تبلغ مائتين، ففيها شاتان"، وقد تقدّم قول الإصطخريّ في ذلك، والتعقيب عليه، فلا تَغْفُل (فَفِيهَا شَاتَانِ، إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً) أي ولو واحدةً (فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إِلَى ثَلَاثِ مِائَةٍ، فَإذَا زَادَتْ) على ثلاثمائة مائةً أخرى، لا أقلّ منها (فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) ففي أربعمائة أربعُ شياه، وفي خمسمائة خمس،