للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أوسطه. وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة، والشافعيّ، وأحمد، ورواية عن مالك. وفي أخرى له يكلّف رب المال الإتيان بصحيحة، أخذًا بظاهر الحديث، وهو مشهور المذهب (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الأخير هو الظاهر؛ لأن قوله - صلي اللَّه عليه وسلم -: "ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار" مطلقٌ، حيث لم يقيّده بقوله: إلا إذا كانت كلها معيبة، فدلّ على أن الواجب في الصدقة مطلقًا هو السليم من العيب، فليتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

(وَلَا تَيْسُ الْغَنَم) -بفتح الثناة الفوقانيّة، وسكون التحتانيّة، بعدها سين مهملة-: فَحْلُ الغنم الْمُعَدّ لضِرَابها. قال في "القاموس": هو الذكر من الظباء، والمعز، والوُعُول، أو إذا أتى عليه سنة. وقال الباجيّ: التيس الذكر من المعز، وهو الذي لم يبلغ حدّ الفحولة، فلا منفعة فيه لضراب، ولا لدَرّ، ولا نسل، وبنحوه فسّر الإمام مالك، كما في "المدوّنة".

وقال العينيّ: معناه إذا كانت ماشيته كلها أو بعضها إناثاً، لا يؤخذ منه الذكر، إنما تؤخذ الأنثى، إلا في موضعين، وردت بهما السنّة: أحدهما أخذ التَّبِيع من ثلاثين من البقر. والآخر أخذ ابن اللبون من خمس وعشرين من الإبل، بدلَ بنت مخاض، عند عدمها. وأما إذا كانت ماشيته كلها ذكورًا، فيؤخذ الذكر. وقيل: إنما لا يؤخذ التيس؛ لأنه مرغوب عنه لنتنه، وفساد لحمه. أو لأنه ربما يقصد به المالك منه الفحولة، فيتضرّر بإخراجه انتهى (٢).

(إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ) اختُلف في ضبطه ومعناه، فقيل: المراد ربّ الماشية، لا الساعي، وعلى هذا هو إما بتخفيف الصاد، وفتح الدال المشدّدة، وهذا اختيار أبي عُبيد، أي الذي أُخذت صدقة ماله، أو بتشديد الصاد، وكسر الدال المشددة، وأصله المتصدّق، فأدغمت التاء بعد قلبها في الصاد. قال تعالى: {إنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} الآية [الحديد: ١٨]. أو بتخفيف الصاد، وكسر الدال المشدّدة، اسم فاعل من قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} [القيامة: ٣١]. قال الراغب: يقال: صدّق، وتصدّق.

وتقدير الحديث: لا تؤخذ هرمة، ولا ذات عيب أصلاً، ولا يؤخذ التيس إلا برضا المالك؛ لكون المالك يحتاج إليه، ففي أخذه بغير اختياره إضرار به، وعلى هذا


(١) - انظر "المنهل العذب" ج ٩ ص ١٤٧. وشرح السنة ج ٦ ص ١٣ - ١٤.
(٢) - "عمدة القاري" ج ٩ ص ٢٢ - ٢٣.