للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالاستثناء مختصّ بالثالث، وهو التيس.

وقيل: المراد به الساعي، وعلى هذا هو بتخفيف الصاد، وكسر الدال المشدّدة لا غير. وهذا هو المشهور في ضبطها، وهو قول المحدّثين، وعامة الرواة، كما قال الخطّابيّ، أي العامل الذي يستوفي الزكاة من أربابها. قال في "القاموس": الْمُصَدِّقُ، كمُحَدِّثٌ: آخذ الصدقات انتهى. والاستثناء متعلّق بالأقسام الثلاثة.

قال الحافظ: وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده؛ لكونه يجري مجرى الوكيل، فلا يتصرّف بغير المصلحة، فيتقيّد بما تقتضيه القواعد. وهذا قول الشافعيّ في "البويطيّ"، ولفظه: "ولا تُؤخذ ذات عوارٍ، ولا تيس، ولا هرمة؛ إلا أن يرى المصدّق أن ذلك أفضل للمساكين، فيأخذه على النظر" انتهى.

وهذا أشبه بقاعدة الشافعيّ في تناول الاستثناء جميعَ ما ذُكر قبله، فلو كانت الغنم كلها معيبةً مثلاً، أو تيوسًا أجزأه أن يُخرج منها. وعن المالكية يلزم المالك أن يشتري شاة مجزئة؛ تمسّكًا بظاهر هذا الحديث. وفي رواية أخرى عندهم كالأول انتهى كلام الحافظ (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تقدم ترجيح القول الأول من قولي مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، فلا تغفل.

وقيل: الاسثناء مخصوص بما إذا كانت المواشي كلها معيبة، أو تيوسًا. قال ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: وعلى هذا -أي على ضبط "المصَدِّق" بكسر الدال، بمعنى العامل- لا يأخذ المصدِّق، وهو الساعي أحدَ هذه الثلاثة، إلا أن يرى ذلك بأن يكون جميع النصاب من جنسه، فيكون له أن يأخذ من جنس المال، فيأخذ هرمة من الهرمات، وذات عوار من أمثالها، وتيسًا من التيوس. وقال مالك، والشافعيّ: إن رأى المصدّق أن أخذ هذه الثلاثة خير له، وأنفع للفقراء، فله أخذه؛ لظاهر الاستثناء. انتهى المقصود من كلام ابن قدامه (٢).

وقال الطيبيّ: ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعًا، والمعنى لا يُخرج المزكّي الناقص والمعيب، لكن يُخرج ما شاء المصدّق من السليم الكامل (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تقدم قريبًا ترجيح القول بعدم جوز أخذ الهرمة، ونحوها في الصدقة، وهذا لا ينافي قولَهُ: "إلا أن يشاء المصدّق" على القول بأن


(١) - "فتح" ج ٤ ص ٨٠.
(٢) -"المغني" ج ٢ ص ٤٠ - ٤١.
(٣) - انظر "المرعاة" ج ٦ ص ١١٦ - ١١٧.