للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وصنّف الإمام ابن برّيّ المتأخّر جزءًا في لحن الفقهاء، لم يُصب في كثير منه، فذكر من لحنهم "وقص" بالإسكان، وليس كما قال. وذكر القاضي أبو الطيّب الطبريّ في تعليقه في آخر "باب زكاة البقر"، وصاحب "الشامل" في "باب زكاة البقر" أيضًا، وآخرون من أصحابنا أن أكثر أهل اللغة قالوا: "الوقص" بالإسكان، وكذا قال صاحب "الشامل": أكثر أهل اللغة. وقال القاضي: الصحيح في اللغة الأول. وقال بعض أهل اللغة: هو بالفتح، فالأول ليس هو بصحيح.

واحتجّ مانع الإسكان بأنّ فَعْلًا الساكن المعتلّ الفاء، لا يُجمع على أفعال. وهذا غلط فاحش، فقد جاء وَطْبٌ وأوطابٌ، ووَغْدٌ وأوغاد، ووَعْرٌ وأوعار، وغير ذلك.

فحصل في "الوقص" لغتان. قال أهل اللغة، والقاضي أبو الطيّب، وصاحب "الشامل"، وغيرهما من أصحابنا: الشَّنَقُ -بفتح الشين المعجمة، والنون-: هو أيضًا ما بين الفريضتين، قال القاضي: أكثر أهل اللغة يقولون: الوَقَص، والشَّنَقُ سواء، لا فرق بينهما. وقال الأصمعيّ: الشَّنَق يختصّ بأوقاص الإبل، والوَقَصُ مختصّ بالبقر، والغنم، واستعمل الشافعيّ - رضي اللَّه عنه - في "البويطيّ" الشنَقَ في أوقاص الإبل، والبقر، والغنم جميعًا، ويقال أيضًا: وَقَس -بالسين المهملة.

وقال أيضًا: فحصل من هذه الجملة أنه يقال: وَقَصٌ، ووقْصٌ، -بفتح القاف، وإسكانها- وشَنَقٌ، ووقس- بالسين المهملة-، وأنه يطلق على ما لا زكاة فيه، سواء كان بين نصابين، أو دون النصاب الأول، لكن أكثر استعماله فيما بين النصابين. انتهى كلام النوويّ باختصار (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): اختلفوا فيما إذا زادت الإبل على عشرين ومائة على مذاهب: (الأول): ذهب الشافعيّ، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه إلى أنها إذا زادت على العشرين ومائة واحدة، ففيها ثلاث بنات لبون إلى أن تصير مائة وثلاثين، فيجب فيها حقّة، وبنتا لبون، ثم كلما زادت عشرة كان في كلّ خمسمين حقّة، وفي كلّ أربعين بنت لبون، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والمختار عند الحنابلة، وهو قول عمر بن عبد العزيز، والزهريّ، وأبي ثور، وابن حزم، وداود، وابن القاسم، صاحب مالك، قال الباجيّ: قول ابن قاسم روايةٌ لمالك أيضًا.

واحتُجّ لهذا القول بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كلّ أربعين بنت لبون، وفي كلّ خمسين حقّة". فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - جعل هذا الحكمَ بنفس الزيادة، والواحدة


(١) - "المجموع" ج٥ ص٣٥٨ - ٣٥٩.