قال صاحب "العرف الشذي": الحقّ أن حديث الباب أقرب بمذهب الحجازيين؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قد أجمل بعد مائة وعشرين، ومذهب الحجازيين مستقيم على هذا الحديث بعد مائة وعشرين إلى الأبد. وأما مذهبنا فاستقامته إنما هو بعد خمسين ومائة انتهى.
قال صاحب "المرعاة": الحديث الذي استدلّ به أهل الحجاز لا يصدق على مذهب أهل العراق أصلاً، فإن مذهبهم كما لا يستقيم قبل الخمسين ومائة، لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في حديث أنس - رضي اللَّه عنه - عند الدارقطنيّ:"فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة، ففي كلّ أربعين بنت لبون، وفي كلّ خمسين حقّة"، كذلك لا يستقيم بعده أيضًا، فإن مدار بنت اللبون هو ستّ وثلاثون، لا أربعون، ومدار الحقّة ستّ وأربعون، لا خمسون، فإن هذين العددين يكونان في البين، والحديث نصّ في كون الأربعينات والخمسينات مدارًا بعد العشرين ومائة، مطّردًا دائمًا.
هذا، وقد تصدّى الحنفيّة، كالطحاوي في "شرح معاني الآثار"، والسرخسيّ في "المبسوط"، وأبي بكر الرازيّ في "أحكام القرآن"، وابن الهمام في "فتح القدير"، والزيلعيّ في "شرح الكنز"، والعينيّ في "شرح البخاريّ" للجواب عن حديث الباب، والتخلّص من مخالفته.
قال صاحب "المرعاة": ولولا أنه يطول البحث جدًا، لذكرنا كلامهم أجمعين، وبيّنّا ما في أجوبتهم من التكلّف، والتمحّل، والتلبيس، والتخليط، والفساد. وقد ذكر تقريرَ ابن الهمام وجوابَهُ الشيخُ عبد العلى بحر العلوم اللكنويّ الحنفيّ في "رسائل الأركان الأربعة"- (ص ١٧٠ - ١٧١) ثم ردّ عليه، ورجّح مذهب الجمهور، وقال في آخر كلامه: فالأشبه ما عليه الإمام الشافعيّ، والإمام أحمد.
واحتجّ الحنفيّة لمذهبهم بما روى أبو داود في "المراسيل"، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"، والطحاويّ في "مشكله" عن حماد بن سلمة، قال: قلت لقيس بن سعد: خذ لي كتاب محمد بن عمرو بن حزم، فأعطاني كتابًا، أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم:"أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كتبه لجده، فقرأته، فكان فيه ذكر ما يُخرج من فرائض الإبل، فقصّ الحديث إلى أن يبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة، فإنه يُعاد إلى أول فريضة الإبل، وما كان أقلّ من خمس وعشرين ففيه الغنم في كلّ خمس ذودٍ شاة". كذا في "نصب الراية".
وأجيب عنه بما قال ابن الجوزيّ في "التحقيق": إن هذا حديث مرسل. وقال هبة اللَّه الطبريّ: هذا الكتاب صحيفة ليس بسماع، ولا يَعرِفُ أهلُ المدينة عندهم عن كتاب