عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا، رواها الزهريّ، وابن المبارك، وأبو أويس، كلهم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدّه، مثلَ قولنا. ثم لو تعارضت الروايتان عن عمرو بن حزم بقيت روايتنا عن أبي بكر الصدّيق - رضي اللَّه عنه -، وهي في "الصحيح"، وبها عَمِلَ الخلفاءُ الأربعة.
وقال البيهقيّ في "السنن" ج٤ ص٩٤: هذا منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وقيس بن سعد أخذه عن كتاب، لا عن سماع، وكذلك حماد بن سلمة أخذه عن كتاب، لا سماع، وقيس بن سعد، وحماد بن سلمة، وإن كانا من الثقات، فروايتهما هذه بخلاف رواية الحفّاظ عن كتاب عمرو بن حزم وغيره، وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره، فالحفّاظ لا يحتجّون بما يخالف فيه، ويتجنّبون ما ينفرد به عن قيس بن سعد خاصّة، وأمثاله، وهذا الحديث قد جمع الأمرين، مع ما فيه من الانقطاع.
وقال في "معرفة السنن": الحفّاظ، مثل يحيى القطّان وغيره يُضعّفون رواية حماد، عن قيس بن سعد، ثم أسند عن أحمد بن حنبل، قال: ضاع كتاب حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، فكان يحدّثهم من حفظه، ثم أسند عن ابن المدينيّ نحو ذلك.
قال البيهقيّ: ويدلّ على خطأ هذه الرواية أن عبد اللَّه بن أبي بكر بن بن محمد بن عمرو بن حزم، رواه عن أبيه، عن جدّه بخلافه، وأبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاريّ رواه بخلافه، والزهريّ مع فضل حفظه رواه بخلافه في رواية سليمان بن داود الْخَوْلانيّ، عنه موصولاً، وفي رواية غيره مرسلاً، وإذا كان حديث حماد عن قيس مرسلاً، وخالفه عددٌ، وفيهم ولد الرجل، والكتابُ بالمدينة، يتوارثونه بينهم، فأخبروا بما وجدوا فيه، ويعرف عنه عمر بن عبد العزيز، وأمر بأن يُنسخ له، فوُجد مخالفًا ما رواه حماد، عن قيس، وموافقًا لما في كتاب أبي بكر، وما في كتاب عمر، وكتابُ أبي بكر في "الصحيح"، وكتاب عمر أسنده سفيان بن حسين، وسليمان بن كثير، عن الزهريّ، عن سالم، عن أبيه، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يكتبه عمر عن رأيه، إذ لا مدخل للرأي فيه، وعَمِلَ به، وأَمَرَ عُمّاله، فعملوا به، وأصحاب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - متوافرون، وأقرأ ابنَه عبد اللَّه بن عمر، وأقرأه عبد اللَّه ابنَه سالمًا، ومولاه نافعًا، وكان عندهم حتى قرأه مالك بن أنس، أفما يدلّ ذلك كله على خطأ تلك الرواية التي انفردت عن سائر الروايات، وأن الأخذ بغيرها أولى انتهى كلام البيهقيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "المعرفة" بتصرّف (١).