للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- في "المغني" بعد الإشارة إلى كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الذي استدلّ به الحنفيّة: ولنا أن في حديثَيِ الصدقات الذي كتبه أبو بكر لأنس، والذي كان عند آل عمر بن الخطاب مثلُ مذهبنا، وهما صحيحان، وقد رواه أبو بكر عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بقوله: "هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - على المسلمين".

وأما كتاب عمرو بن حزم، فقد اختلف في صفته، فرواه الأثرم في "سننه" مثل مذهبنا، والأخذ بذلك أولى لموافقته الأحاديث الصحاح، وموافقته القياس، فإن المال إذا وجب فيه من جنسه لم يجب من غير جنسه، كسائر بهيمة الأنعام، ولأنه مال احتمل المواساة من جنسه، فلم يجب من غير جنسه، كالبقر والغنم، وإنما وجب في الابتداء من غير جنسه لأنه ما احتمل المواساة من جنسه، فعدلنا إلى غير الجنس ضرورةً، وقد زال ذلك بزيادة المال، وكثرته، ولأنه عندهم ينتقل من بنت مخاض إلى حقّة بزيادة خمس من الإبل، وهي زيادة يسيرة، لا تقتضي الانتقال إلى حقة، فإنا لم ننتقل في محلّ الوفاق من بنت مخاض إلى حقّة إلا بزيادة إحدى وعشرين انتهى كلام ابن قُدامة (١).

وقال ابن حزم -رحمه اللَّه تعالى-: والعجب أنهم يدّعون أنهم أصحاب قياس، وقد خالفوا في هذا المكان النصوص والقياس، فهل وجدوا فريضةً تعود بعد سقوطها؟، وهل وجدوا في أوقاص الإبل وقصًا من ثلاثة وثلاثين من الإبل؟ إذ لم يجعلوا بعد الإحدى والتسعين حكمًا زائدًا إلى خمسة وعشرين ومائة، وهل وجدوا في شيء من الإبل حكمين مختلفين في إبل واحدة، بعضها يزكّى بالإبل، وبعضها يُزكّى بالغنم؟، وهَلّا إذ ردّوا الغنم وبنت المخاض بعد إسقاطهما ردّوا أيضًا في ستّ وثلاثين زائدة على العشرين ومائة بنت اللبون؟، فإن قالوا: منعنا عن ذلك قوله - عليه السلام - "في كلّ خمسين حقّة"، قيل لهم: فهلّا منعكم من ردّ الغنم قوله - عليه السلام -: "وفي كلّ أربعين بنت لبون" انتهى كلام ابن حزم. (٢).

واحتجّ الحنفيّة أيضًا بما روى ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ - رضي اللَّه عنه -، قال: "إذا زادت الإبل على عشرين ومائة يُستقبل بها الفريضة" انتهى (٣).


(١) - "المغني" ج٤ ص ٢٢.
(٢) - "المحلّى" ج ٦ ص ٤١.
(٣) - "مصنف ابن أبي شيبة" ج٣ ص ١٢٥ ..