للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتعقّب هذا بأنه لا حجّة في قول أحد دون رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -.

وأجاز أبو حنيفة أيضًا أداء القيمة من العُرُوض وغيرها بدل الزكاة الواجبة، وإن كان المأمور بأخذه ممكنًا (١).

وأجاب الجمهورالذين لم يقولوا بجواز أداء القيمة في الزكاة عن ذلك بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى ما بين السنّين في القيمة، فكان العرض يزيد تارة، وينقص أخرى؛ لاختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة، فلما قدّر الشارع التفاوت بمقدار معيّن لا يزيد، ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك.

قال الخطابيّ في "المعالم": وأصحّ هذه الأقاويل قول من ذهب إلى أن كلّ واحد من الشاتين، والعشرين درهمًا أصل في نفسه، وأنه ليس له أن يعدل عنهما إلى القيمة، ولو كان للقيمة فيها مدخل لم يكن لنقله الفريضة إلى سنّ فوقها، وأسفل منها، ولا لجبران النقصان فيهما بالعشرين، أو بالشاتين معنىً.

قال: ويشبه أن يكون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما جعل الشاتين، أو العشرين درهمًا تقديرًا في جبران النقصان، والزيادة بين السّنّين، ولم يَكِلِ الأمرَ في ذلك إلى اجتهاد الساعي، وإلى تقديره؛ لأن الساعي إنما يحضر الأموال على المياه، وليس بحضرته حاكمٌ، ولا مُقَوِّمٌ يحمله وربَّ المال عند اختلافهما على قيمة يرتفع بها الخلاف، وتنقطع معها مادّة النزاع، فجُعِلت فيها قيمة شرعيّة، كالقيمة في المصرّاة، والجنين حسمًا لمادة الخلاف، مع تعذّر الوصول إلى حقيقة العدم بما يجب فيها عند التعديل انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة التاسعة): اختلفوا في معنى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وما من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية":

(اعلم): أن الْخُلطة -بضمّ الخاء المعجمة، وسكون اللام- على نوعين: خُلْطة اشتراك، وخُلطة جِوَار، وقد يُعبّر عن الأول بخلطة الأعيان، وخلطة الشيوع، وعن الثاني بخلطة الأوصاف.

والمراد بالأول أن لا يتميّز نصيب أحد الرجلين، أو الرجال عن نصيب غيره، كماشية ورثها قوم، أو ابتاعوها معًا. وبالثاني أن يكون مال كلّ واحد معيّنًا.


(١) - سيأتي إن شاء اللَّه تعالى ترجيح هذا المذهب إذا رأى الساعي ذلك أنفع للفقراء، كما فعل معاذ ابن جبل - رضي اللَّه عنه - مع أهل اليمن، وهو مذهب الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى-، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه اللَّه تعالى-.
(٢) - "معالم السنن" ج٢ ص١٨٠ - ١٨١.