للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واختلف في المراد بالخليط في هذا الحديث:

فذهب أبو حنيفة إلى أنه الشريك؛ لأن الخليطين في اللغة العربيّة هما الشريكان اللذان اختلط مالهما، ولم يتميّز، كالخليطين من النبيذ، وما لم يختلط مع غيره فليسا بخليطين، وإذا يتميز مال كلّ واحد منهما من مال الآخر، فلا خُلْطة.

وذهب الجمهور إلى أن المراد بالخليط المخالط، وهو أعمّ من الشريك، وحكم الخليطين عندهم أَنْ تُصدَّق ما شيتهما كأنها لرجل واحد. والخلطة عندهم أن يجتمعا في الْمَسْرَح، والمبيت، والفحل.

واعتُرِض على أبي حنيفة بأن الشريك لا يَعرِف عين ماله، وقد قال: إنهما يتراجعان بينهما بالسويّة. ومما يدلّ على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكًا قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} الآية [ص: ٢٤]، وقد بيّنه قبل ذلك بقوله: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} الآية. [ص: ٢٣].

واختُلف أيضًا في أن الخلطة مؤثّرة في الزكاة أم لا؟:

فذهب الجمهور إلى كونها مؤثّرة. وقال أبو حنيفة: لا تأثير للخلطة، سواء كانت خلطة شيوع واشتراك في الأعيان، أو خلطة أوصاف وجوار في المكان، فلا يجب على أحد الشريكين، أو الشركاء إلا مثل الذي كان يجب عليه لو لم يكن خليطًا.

وتعقّبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة الحديث، وإنما نُهي عن أمر لو فعله كانت فيه فائدة قبل النهي، ولو كان كما قال لما كان لتراجع الخليطين بينهما بالسويّة معنى.

واعتذر بعضهم عن الحنفيّة بأن الأصل قوله عمرو: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"، وحكم الخلطة يغيّر هذا الأصل، فلم يقولوا به.

ورُدّ بأن ذلك مع الانفراد، وعدم الخلطة، لا إذا انضمّ ما دون الخَمْس إلى عدد الخليط يكون به الجميع نصابًا، فإنه يجب تزكية الجميع؛ لهذا الحديث، وما ورد في معناه، ولا بدّ من الجمع بهذا.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: بل الأحسن الجمع بما قاله الحنفيّة، كما سيأتي قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.

قال الإمام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- في "المغني": ما حاصله: إن الخُلْطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة، سواء كانت خلطة أعيان، وهي أن تكون الماشية مشتركة بينهما لكلّ واحد منهما نصيب مشاع، مثل أن يرثا نصابًا، أو يشترياه، أو يوهب لهما، فيُبْقِيَاه بحاله. أو خُلْطة أوصاف، وهي أن يكون