مال كل واحد منهما متميّزًا، فخلطاه، واشتركا في الْمَسرَح، والمبيت، والْمَحلَب، والْمَشْرَب، والفحل، وسواء تساويا في الشركة، أو اختلفا، مثل أن يكون لرجل شاة، ولآخر تسعة وثلاثون، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً، لكل واحد منهم شاة. نصّ عليهما أحمد.
وهذا قول عطاء، والأوزاعيّ، والشافعيّ، والليث، وإسحاق. وقال مالك: إنما تؤثّر الخلطة إذا كان لكلّ واحد من الشركاء نصاب. وحكي ذلك عن الثوريّ، وأبي ثور، واختاره ابن المنذر. وقال أبو حنيفة: لا أثر لها بحال؛ لأن ملك كلّ واحد دون النصاب، فلم يجب عليه زكاة؛ كما لو لم يختلط بغيره.
ولأبي حنيفة فيما إذا اختلطا في نصابين أن كلّ واحد منهما يملك أربعين من الغنم، فوجبت عليه؛ لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "في أربعين شاة شاة".
ولنا ما روى البخاريّ في حديث أنس - رضي اللَّه عنه -: "لا يُجمع بين متفرّق، ولا يُفرَّق بين مجتمع، خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بالسويّة". ولا يجيء التراجع إلا على قولنا في خلطة الأوصاف. وقوله:"لا يُجمع بين متفرّق" إنما يكون هذا إذا كان لجماعة، فإن الواحد يضمّ ما له بعضه إلى بعض، وإن كان في أماكن، وهكذا لا يفرّق بين مجتمع. ولأن للخلطة تأثيرًا في تخفيف المؤنة، فجاز أن تؤثّر في الزكاة، كالسوم، والسقي، وقياسهم مع مخالفة النصّ غير مسموع انتهى كلام ابن قُدامة (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: "قياسهم مع مخالفة النصّ الخ فيه نظر لا يخفى، وسيأتي في كلام ابن حزم ما يردّه، إن شاء اللَّه تعالى.
وقد حقّق أبو محمد ابن حزم المسألة تحقيقًا حسنًا، ورجّح ما ذهب إليه الحنفيّة، ودونك خلاصة ما قاله في كتابه "المحلّى"، قال -رحمه اللَّه تعالى-:
والخلطة في الماشية، أو غيرها لا تُحيل حكم الزكاة، ولكلّ أحد حكمه في ماله خالط، أو لم يخالط، لا فرق بين شيء من ذلك. قال: وقد اختلف الناس في تأويل خبر: "لا يجمع بين مفترق، ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسويّة".
فقالت طائفة: إذا تخالط اثنان، فأكثر في إبل، أو في بقر، أو في غنم، فإنهم تؤخذ من ماشيتهم الزكاة، كما كانت تؤخذ لو كانت لواحد، والخلطة عندهم أن تجتمع