وقال ابن بطّال: يريد حقّ الكَرَم، والمواساة، وشريفِ الأخلاق، لا أن ذلك فرضٌ، قال: وكانت عادة العرب التصدّق باللبن على الماء، فكان الضعفاء يرصدون ذلك منهم، قال: والحقّ حقّان: فرض عين، وغيره، فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق.
وقال إسماعيل القاضي: الحقّ المفترض هو الموصوف المحدّد، وقد تحدث أمورٌ لا تحُدّ، فتجب فيها المواساة للضرورة التي تنزل، من ضعيف مضطرّ، أو جائع، أو عارٍ، أو ميت ليس له من يُواريه، فيجب حينئذ على من يمكنه المواساة التى تزول بها الضرورات. وقال ابن التين: وقيل: كان هذا قبل فرض الزكاة انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحديث يردّ قول من قال: إنه من مكارم الأخلاق، وليس من الواجب، وقول من قال بالنسخ، ويدلّ دلالة واضحة لمن يرى في المال حقّا سوى الزكاة على ما سنبيّنه، وهو مذهب غير واحد من التابعين، وهو الحقّ، وسيأتي تحقيق الخلاف في هذا، في المسألة الثانية، إن شاء اللَّه تعالى.
(أَلَا) أداة استفتاح وتنبيه (لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ) أي لا يجوز لأحدكم أن يمنع بعيرًا من زكاة الإبل، فيأتي به يوم القيامة (يَحْمِلُه عَلَى رَقَبَتِهِ، لَهُ رُغَاءٌ) بضم الراء، ومعجمة: صوت الإبل.
وفيه أن اللَّه تعالى يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة، وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده؛ لأنه قصد بمنع حقّ اللَّه منها الارتفاق، والانتفاع بما يمنعه منها، فكان ما قصد الانتفاع به أضرّ الأشياء عليه.
والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حقّ اللَّه فيها إنما هو في بعضها؛ لأن الحقّ في جميع المال غير متميّز؛ ولأن المال لما لم يُخرَج زكاته غيرُ مطهّر. قاله في "الفتح"(١).
(فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ) نداء للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - ليشفع له في تخليصه من التعذيب بالحمل المذكور (فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا) من الشفاعة حتى يعفو اللَّه تعالى عنك (قَدْ بَلَّغْتُ) هذا تعليل لعدم ملكه له شيئًا، وذلك لأنه الجاني على نفسه، حيث بلّغه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - ما أوجب اللَّه تعالى عليه، وعلم ذلك، ثم فرّط فيه، فلو لم يعلم به لعُذر بالجهل (أُلَا لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ، يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ، لَهَا يُعَارٌ) بتحتانيّة مضمومة، ثم مهملة: صوت المعز. قال في "الفتح": وفي رواية المستملي، والكشميهني هنا:"ثُغَاءٌ" بضم المثلثة، ثم معجمة، بغير راء، ورجحه ابن التين، وهو صِيَاحُ الغنم. وحكى ابن التين عن القزّاز أنه