للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبالغ ابن حزم في "المحلّى" (١) أوّلاً في تقرير كونه منقطعًا، ثم استدرك في آخر المسألة (٢). ورجع عن رأيه هذا، حيث قال: ثم استدركنا، فوجدنا حديث مسروق، إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر، وهو بلا شكّ، قد أدرك معاذًا، وشهد حكمه، وعمله المشهور المنتشر، فصار نقله لذلك، ولأنه عن عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نقلاً عن الكافّة عن معاذ بلا شكّ، فوجب القول به. انتهى.

وقال ابن القطّان: لا أقول: إن مسروقًا سمع من معاذ إنما أقول: إنه يجب على أصولهم أن يُحكم بحديثه عن معاذ بحكم حديث المتعاصرين الذين لم يُعلم انتفاء اللقاء بينهما، فإن الحكم فيه أنه له الاتصال عند الجمهور. وشرط البخاريّ، وابن المدينيّ أن يُعلم اجتماعهما، ولو مرّة واحدة، فهما إذا لم يعلما لقاء أحدهما للآخر لا يقولان في حديث أحدهما عن الآخر: منقطع، إنما يقولان: لم يثبت سماع فلان من فلان، فإذن ليس في حديث المتعاصرين إلا رأيان: أحدهما أنه محمول على الاتصال. والآخر أن يقال: لم يُعلم اتصال ما بينهما، فأما الثالث، وهو أنه منقطع فلا انتهى (٣).

وقال الترمذيّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن حسّن الحديث: ورَوَى بعضهم هذا الحديث عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن، فأمره أن يأخذ … " وهذا أصحّ (٤) انتهى.

قال العلامة الصنعاني -رحمه اللَّه تعالى-: وإنما رجّح الترمذيّ الرواية المرسلة؛ لأن رواية الاتصال اعتُرضت بأن مسروقًا لم يلق معاذًا.

وأجيب بأن مسروقًا همدانيّ النسب، من وَدَاعَةَ، يمانيّ الدار، وقد كان في أيام معاذ باليمن، فاللقاء ممكن بينهما، فهو محكوم باتصاله على رأي الجمهور. انتهى (٥).

وقال الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وطاوس عالم بأمر معاذ، وإن كان لم يلقه؛ لكثرة من لقيه ممن أدرك معاذًا، وهذا مما لا أعلم من أحد فيه خلافًا انتهى.

وقال البيهقيّ: طاوس، وإن لم يلق معاذًا إلا أنه يمانيّ، وسيرة معاذ بينهم مشهورة انتهى.

وللحديث شواهد من حديث ابن مسعود، عند الترمذيّ، وابن ماجه، والبيهقيّ،


(١) - راجع "المحلّى" ج ٦ ص ١١.
(٢) - راجع "المحلى" ج ٦ ص ١٦.
(٣) - راجع "المرعاة" ج ٦ ص ١٤٤.
(٤) - وكذا رجّح الدارقطنيّ في "العلل" الرواية المرسلة. وهذه الرواية المرسلة أخرجها ابن أبي شيبة ج ٣ ص ١٢، وأبو عبيد في "الأموال" ص ٣٧٨ بسنديهما. قاله في "المرعاة". ج ٦ ص ١٤٥.
(٥) - "سبل السلام" ج ٢ ص ٢١٣.