الخاصّة، وهلاّ قلتم هناك تعارض مسقطٌ، وموجبٌ، فقدّمنا الموجب احتياطًا، وهذا في غاية الوضوح انتهى.
وقد اتضح بهذا كلّه كلّ الاتضاح أنه يجب تخصيص عموم قوله تعالى:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} الآية، وحديث ابن عمر المذكور في الباب بحديث الأوساق الذي تقدّم في الأبواب السابقة، كما خُصّص قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} بالأخبار التي دلّت على كون الزكاة منحصرة في أشياء مخصوصة، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} بأحاديث النُّصُب الخاصّة، وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "في سائمة الإبل الزكاة" بقوله: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"، وقوله:"في الرّقَة ربع العشر" بقوله: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحاصل أن ما ذهب إليه الجمهور من اشتراط النصاب، في زكاة الزروع والثمار، وهو خمسة أوسق، هو الحقّ؛ لوضوح أدلّته، كما تقدّم بيانها.
وقد بالغ صاحب "المرعاة" في تتبّع متمسّكات الحنفيّة في عدم وجوب النصاب، والإجابة عليها بما لا تجده مجموعًا في كتاب غيره، فراجعه في جـ٦ ص ٦٨ - ٧٥ تستفد. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال الإمام ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: لا نعلم خلافًا أن العشر يجب فيما سُقي بغير مؤنة، ونصف العشر فيما سُقي بالْمُؤنة.
هذا إذا كان السقي المذكور بنوعيه كلّ السّنة، وأما إذا سُقي نصف السنة بكُلفة، ونصفها بغير كلفة، ففيه ثلاثة أرباع العشر.
وهذا قول مالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا؛ لأن كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه، فإذا وُجد في نصفها أوجب نصفه، وإن سُقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتُبر أكثرهما، فوجب مقتضاه، وسقط حكم الآخر، أي كان حكم الأقلّ تبعًا للأكثر، نصّ عليه أحمد، وهو قول عطاء، والثوريّ، وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعيّ. وقال ابن حامد: يؤخذ بالقِسْط، وهو القول الثاني للشافعيّ؛ لأنهما لو كانا نصفين أُخذا بالحصّة، فكذلك إذا كان أحدهما أكثر، كما لو كانت الثمرة نوعين.
ووجه الأول أن اعتبار مقدار السقي، وعدد مراته، وقدر ما يُشرَب في كلّ سَقْيَة يَشُقّ، وَيَتَعَذّر، فكان الحكم للأغلب منهما كالسوم في الماشية.
وإن جُهل المقدار غلّبنا إيجاب العشر احتياطًا، نصّ عليه أحمد، في رواية ابنه