للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في ردّ مثل هذا الحديث الذي ذكروه لمعارضة عموم الأدلّة الصحيحة.

(ثانيها): أن طلحة بن يحيى مختلف فيه، فهو وإن وثّقه جماعة، فقد تكلّم فيه آخرون، قال يحيى القطّان: لم يكن بالقويّ. وقال البخاريّ: منكر الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: لا بأس به، في حديثه لين. وقال ابن حبّان: كان يخطىء. وقال الساجيّ: صدوق لم يكن بالقويّ (١) فتفرُّد مثله بمثل هذا الحديث الذي يعارض الأحاديث الصحيحة محلّ نظر.

(ثالثها): أنه اختُلف في رفعه، ووقفه، فقد رواه البيهقيّ، كما سبق، ورواه (٤/ ١٢٥) من طريق الثوريّ أيضًا، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعريّ، ومعاذ - رضي اللَّه عنهما - أنهما حين بُعثا إلى اليمن لم يأخذا إلا من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب. قال الإمام ابن دقيق العيد في "الإمام": وهذا غير صريح في الرفع انتهى (٢). والحاصل أن هذا الحديث لا يصحّ، فلا تُعارَض به الأدلّة السابقة.

(ومنها): ما روى ابن أبي شيبة، وأبو عُبيد في "الأموال" (ص ٤٦٨) ويحيى بن آدم في "الخراج" (ص ١٤٨) عن موسى بن طلحة، أمر رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - معاذًا حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ الصدقة من الحنطة، والشعير، والنخل، والعنب". وهذا منقطع؛ لأنّ موسى بن طلحة لم يُدرك معاذًا، كما قاله ابن حزم (٥/ ٢٢٢) وقال الحافظ في "التلخيص": فيه انقطاع. وقال أبو زرعة: موسى بن طلحة بن عُبيد اللَّه، عن عمر مرسلة، ومعاذٌ توفّي في خلافة عمر، فرواية موسى بن طلحة عنه أولى بالإرسال. وقال تقيّ الدين في "الإمام": وفي الاتصال بين موسى بن طلحة ومعاذ نظر، فقد ذكروا أن وفاة موسى سنة ثلاث ومائة، وقيل: سنة أربع ومائة. ذكره الزيلعيّ (٢/ ٣٨٧). وقال ابن عبد البرّ: لم يلق موسى معاذًا، ولا أدركه انتهى.

والمشهور في ذلك ما رُوي عن عمرو بن عثمان، عن موسى بن طلحة، قال: عندنا كتاب معاذ بن جبل، عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر. أخرجه أحمد (٥/ ٢٢٨) والدارقطنيّ (٢/ ٩٦) والبيهقيّ (٤/ ١٢٩) وابن حزم في "المحلّى" (٥/ ٢٢٢) وأبو يوسف في "الخراج" (ص ٦٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: وهذا وجادة والوجادة عند المحدّثين منقطعة، فلذا تعقّب صاحب "التنقيح" تصحيح الحاكم، والذهبيّ للحديث بالانقطاع، وقد أصاب في هذا التعقّب.


(١) - راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج ٢ ص ٢٤٤ - ٢٤٥.
(٢) - نصب الراية ج ٢ ص ٣٨٩.