جيرانهم، وأهلَهم، وأصدقاءَهم، وسُؤَّالَهُم، ويكون في الثمرة الساقطة، وينتابها الطير، وتأكل منها المارّة، فلو استوفى الكلّ منهم أضرّ بهم.
وبهذا قال إسحاق، ونحوه قال الليث، وأبو عُبيد. والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده، فإن رأى في الأَكَلَة كثرةً ترك الثلث، وإن كانوا فيهم قلْةٌ ترك الربع، وذكر حديث الباب. وقال: وروى أبو عُبيد بإسناده عن مكحول قال: كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إذا بعث الخرّاص قال: "خفّفوا على الناس، فإن في المال العَرِيّة، والواطئة، والأكلة".
و"العريّة" نخَلَاتٌ يَهبها ربّ المال لشخص يَجني ثمارها. و"الواطئة": المارّة في الطريق، سُمُّوا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مُجتازين. و"الأكلة": أرباب الثمار، وأقاربهم، وجيرانهم. انتهى كلام ابن قُدامة بتصرّف (١).
(فَإِنْ لَمْ تَأْخُذُوا" (أَوْ) للشكّ (تَدَعُوا) أي تتركوا. وقوله (الثُّلُثَ) بالنصب تنازعه الفعلان قبله (شَكَّ شُعْبَةُ) بن الحجّاج في لفظ خُبيب شيخِهِ، هل هو "تأخذوا"، أو هو "تدعوا"، ومعنى "فإن لم تأخذوا" -واللَّه أعلم-: أي إن لم تأخذوا ثلث الثمار في الاستثناء، بمعنى أنهم لم يروا استثناء الثلث مناسبًا؛ لكثرته حيث كانت حاجة صاحب الثمار قليلةً، فيكون بمعنى "تَدَعُوا الثلث" ("فَدَعُوا الرُّبُعَ") أي اتركوا لهم ربع الزكاة؛ ليتصدّقوا بأنفسهم، أو ربع الثمار، فلا يؤخذ عليه زكاة، على ما تقدّم من الاحتمالين.
واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل ..
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث سهل بن أبي حثْمَة - رضي اللَّه عنه - هذا صحيح.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفيه عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، وقد قال ابن القطّان لا يُعرف؟.
[قلت]: إنما حكمت بصحّته لأمرين:
(أحدهما): أن عبد الرحمن قال فيه البزّار: إنه معروف، ووثقه ابن حبّان.
(الثاني): أن له شواهد يصحّ بها:
(فمنها): ما أخرجه الشيخان، وغيرهما عن أبي حميد الساعدي - رضي اللَّه عنه -، قال: غزونا مع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى، إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لأصحابه: "اخرُصُوا"، وخَرَصَ رسولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، عشرة أوسق، فقال لها:
(١) - "المغني" ج ٤ ص ١٧٧ - ١٧٨.