للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[البقرة: ٢٦٧] ومعنى قوله: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي لستم بآخذيه في ديونكم، وحقوقكم من الناس إلا أن تتساهلوا في ذلك، وتتركوا من حقوقكم، وتكرهونه، ولا ترضونه. أي فلا تفعلوا مع اللَّه تعالى ما لا ترضونه لأنفسكم. قال معناه البراء بن عازب، وابن عبّاس، والضحّاك - رضي اللَّه عنهم -. وقال الحسن: معنى الآية: ولستم بآخذيه، ولو وجدتموه في السوق يُباع إلا أن يُهْضَم لكم من ثمنه. وروي نحوه عن عليّ - رضي اللَّه عنه -. قال ابن عطية: وهذان القولان يُشبهان كون الآية في الزكاة الواجبة.

قال ابن العربيّ: لو كانت في الفرض لما قال: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ}، لأن الرديء والمعيب لا يجوز أخذه في الفرض بحال، لا مع تقدير الإغماض، ولا مع عدمه، وإنما يؤخذ مع عدم الإغماض في النفل. وقال البراء بن عازب أيضًا: معناه: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} أي لو أُهدي لكم {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي تستحيي من المهدي، فتقبل منه ما لا حاجة له به، ولا قدر له في نفسه. قال ابن عطيّة: وهذا يُشبه كون الآية في التطوّع. وقال ابن زيد: ولستم بآخذي الحرام إلا أن تُغمضوا في مكروهه.

ومعنى قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}: أي إن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- غنيّ عن صدقاتكم، لا حاجة به إليها، فمن تقرّب، وطلب مثوبة، فليفعل ذلك بما له قَدْرٌ، وبَالٌ، فإنما يُقدّم لنفسه. ومعنى "حميد": محمود في كلّ حال. أفاده القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

(قَالَ: هُوَ الْجُعْرُورُ) -بضمّ الجيم، وسكون العين المهملة، بوزن عُصْفُور-: ضربٌ من التمر صِغَارٌ، لا يُنتفع به. وقال الأصمعيّ: الْجُعْرُورُ ضرب من الدَّقَلِ يَحْمِلُ رُطَبًا صِغَارًا، لا خير فيه. ذكره في "اللسان" (وَلَوْنُ حُبَيْقٍ) -بضمّ الحاء المهملة، وفتح الموحّدة-: تمر صغير، رديء، أغبر، فيه طولٌ، منسوبٌ إلى ابن حُبيق، اسم رجل.

وقال في "اللسان": وعِذْقُ الْحُبيق - مصغّرٌ-: نوع من التمر رديء، منسوب إلى ابن حُبيق، وهو تمر أغبر، صغيرٌ، مع طول فيه. يقال: حُبيقٌ، ونُبَيقٌ، وذوات الْعُنَيق لأنواع من التمر، والنُّبَيق أغبر مُدوّرٌ، وذوات العُنَيق لها أعناقٌ، مع طول، وغُبْرَة، وربّما اجتمع ذلك كلّه في عِذْقٍ واحدٍ انتهى بتصرّف.

والمعنى أن المراد بقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} هذان الصنفان من التمر. واللَّه تعالى أعلم.

(فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أَنْ تُؤْخَذَ) بالبناء للمفعول. وفي نسخة: "يأخذ" (فِي الصَّدَقَةِ)


(١) - "تفسير القرطبيّ" ج ٣ ص ٣٢٦ - ٣٢٨.