(فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - ("مَا كَانَ فِي طَرِيقِ مَأْتِيِّ) اسم مفعول، من أتى، وأصله مَأتُويٌ، اجتمعت الواو، والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأُدغمت في الياء، فصار مَأْتِيَّا، كما قال ابن مالك في "الخلاصة":
ومعنى "مأتيّ": أي طريق مسلوك، يسلكه الناس كثيرًا، ولفظ أبي داود: "في طريق الميتاء" -بكسر الميم، مِفعالٌ، من الإتيان، والميم زائدة، وبابه الهمزة، أي طريقة مسلوكة، يأتيها الناس. قاله الخطّابيّ، وابن الأثير (أَوْ فِي قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ) يقال: عَمَرَ المنزلُ بأهله عَمْرًا، من باب قَتَلَ، فهو عامر، وعَمَرَه أهلُهُ: سَكَنوه، وأقاموا به، يتعدّى، ولا يتعدّى. قاله في "المصباح". والمناسب هنا هو اللازم. ولفظ أبي داود: "أو القرية الجامعة" (فَعَرِّفهَا) أمرٌ من التعريف، وهو أن يُنادِي في الموضع الذي لقيها فيه، وفي الأسواق، وأبواب المساجد، فيقول: من ضاع له شيء، فليأتني (سَنَةً) منصوب على الظرفيّة، متعلّق بما قبله.
وفيه أنّ تعريف اللقطة يكون سنة واحدة فقط، ويعارضه حديث أُبيّ بن كعب - رضي اللَّه عنه -، عند الشيخين، حيث إنّ فيه أن التعريف ثلاث سنين، وسيأتي الجمع بينهما في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.
(فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا) في خلال مدّة التعريف، فأدها إليه، فجواب الشرط محذوف؛ لدلالة السياق عليه. ولفظ أبي داود: "فإن جاء طالبها، فادفها إليه" (وِإلاَّ) هي "إن" الشرطيّة، و"لا" النافية، وفعل الشرط مقدّر بدلالة ما قبله عليه، أي وإن لم يجىء صاحبها، وجواب الشرط قوله (فَلَكَ) بتقدير مبتدإ، أي فهي لك. ولفظ أبي داود: "وإن لم يات، فهي لك".
وذكر الحافظ السيوطيّ، عن ابن مالك -رحمهما اللَّه تعالى- أن في هذا الكلام حذفَ جواب الشرط، وحذفَ فعلِ الشرط بعد "إلا"، والمبتدإ من جملة الجواب الاسميّة، والتقدَير: فإن جاء صاحبها أخذها، وإن لا يجىء، فهي لك انتهى (١).
ومعنى "فهي لك" أي فهي مباحة الاستعمال لك، فيجوز أن تصرفها إلى ما تصرف فيه مال نفسك، فالمراد جواز التصرّف فيها، ولا يلزم من ذلك أنه مَلَكَها، بل هي على ملك صاحبها، بدليل أنه لو جاء صاحبها بعد ذلك لزمه أداء بدلها، لحديث زيد بن خالد