الجهنّي - رضي اللَّه عنه - المتّفق عليه:، قال: عرّفها سنةً، ثمّ اعرف وكاءها، وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربّها فأدّها إليه … " الحديث. فقد صرّح بالردّ إلى صاحبها بعد التصرّف فيها.
وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: وظاهر الحديث أنه يملكها الواجد مطلقًا. وقد يقال: لعلّ السائل كان فقيرًا، فأجابه على حسَبِ حاله، فلا يدلّ أنّ الغنّي يملك. وفيه أنه كم من فقير يصير غنيًّا، فالإطلاق في الجوَاب لا يحسن إلا عند إطلاق الحكم. فليُتَأَمَّلْ انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما دلّ عليه ظاهر الحديث هو الصواب، لكن بمعنى أنه يملك التصرّف فيها، لا أنه يزول ملك مالكها بالكلّيّة، وإن قال به بعضهم. وسيأتي تمام البحث في ذلك في المسألة السادسة، إن شاء اللَّه تعالى.
(وَمَا) موصولة، أي والذي (لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ) أي مسلوك (وَلَا فِي قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ) ولفظ أبي داود: "وما كان في الْخَرَاب".
قال الخطّابيّ -رحمه اللَّه تعالى-: يريد الخراب العاديّ الذي لا يُعرف له مالك، وسبيلُهُ سبيلُ الركاز، وفيه الخمس، وسائر المال لواجده، فأما الخراب الذي كان عامرًا، مِلْكًا لمالك، ثم خرب، فإن المال الموجود فيه ملك لصاحب الخراب، ليس لواجده منه شيء، وإن لم يُعرَف صاحبه، فهو لقطة انتهى (فَفِيهِ) أي في الذي لم يكن في الطريق المأتيّ (وَفِي الرِّكَازِ) -بكسر الراء، وتخفيف الكاف، وآخره زايٌ-: المال المدفون في الجاهليّة، فِعَالٌ بمعنى مفعولٍ، كالبساط بمعنى المبسوط، والكتاب بمعنى المكتوب، وهو مأخوذ من الرِّكْز -بفتح الراء- يقال: رَكَزَ الرمحَ رَكْزًا، من باب قتل: أثبته في الأرض، فارتكز، والْمَرْكِزُ وزان مسجد: موضع الثبوت. أي كنوز الجاهليّة المدفونة في الأرض. أفاده في "المصباح".
وقال في "الصحاح": دَفِين أهل الجاهلية، كأنه رُكز في الأرض، أي غُرِز. وقال في "المحكم": قِطَعُ ذهب وفضّة، تُخرَج من الأرض، أو المعدن. وقال في "المشارق": وهو عند أهل الحجاز من الفقهاء، واللغويين الكنوز، وعند أهل العراق المعادن؛ لأنها رُكزت في الأرض، أي ثَبَتت.
وقال الإمام الهرويّ في "غريبه": اختَلَف أهل العراق، وأهل الحجاز في تفسير الركاز، قال أهل العراق: هو المعادن، وقال أهل الحجاز: هو كنوز أهل الجاهليّة،