للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكلّ محتمل في اللغة انتهى.

وقال في "النهاية": الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهليّة المدفونة في الأرض، وعند أهل العراق المعادن، والقولان تحتملهما اللغة؛ لأن كلا منهما مركوز في الأرض، أي ثابت، يقال: ركزه يَرْكُزُه رَكْزًا: إذا دفنه، والحديث إنما جاء في التفسير الأول، وهو الكنز الجاهليّ، وإنما كان فيه الخمس؛ لكثرة نفعه، وسهولة أخذه انتهى.

وقال ابن العربيّ: حقيقة الركز الإثبات، والمعدن ثابت خلقةً، وما يُدفن ثابتٌ بتكلّف مُتَكَلِّف.

وقال الحافظ وليّ الدين: هذا الحديث -يعني حديث أبي هريرة الآتي- يدلّ على إرادة دَفِين الجاهليّة أيضًا؛ لكونه - صلى اللَّه عليه وسلم - عطف الركاز على المعدن، وفرق بينهما، وجعل لكلّ منهما حكمًا، ولو كانا بمعنى واحد لجمع بينهما، وقال: والمعدن جُبار، وفيه الخمس، وقال: والركاز جبار، وفيه الخمس، فلما فرق بينهما دلّ على تغايرهما. انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن جمهور أهل العلم على أن الركاز هو دِفنُ (٢) الجاهليّة، وفيه الخمس، وأما المعدن ففيه الزكاة إذا بلغ نصابًا، وسيأتي البحث عنه في شرح حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - الآتي، إن شاء اللَّه تعالى.

وقوله (الْخُمْسُ) مبتدأ مؤخّر، خبره الجارّ والمجرور قبله. أي الخمس واجب في الموجود في القرية الغير العامرة، وفي الكنوز التي دفنها أهل الجاهليّة، وإنما وجب الخمس فيهما لكثرة نفعهما، وسُهولة أخذهما.

قال الإمام ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: والأصل في صدقة الركاز ما روى أبو هريرة - رضي اللَّه عنه -، عن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "العجماء جُبَارٌ، وفي الركاز الخمس". متّفقٌ عليه. يعني الحديث الآتي.

وهو أيضًا مجمع عليه. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا خالف هذا الحديث، إلا الحسن، فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب، وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة، وأو جب الخمس في الجميع الزهريّ، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وابن المنذر، وغيرهم. انتهى (٣). وسيأتي تمام البحث في الركاز في المسألة السابعة، إن شاء اللَّه


(١) - "طرح التثريب" ج ٤ ص ٢٠ - ٢١.
(٢) - "الدِّفْنُ" -بكسر، فسكون-: بمعنى المدفون، وأما الدِّفْن -بفتح، فسكون- فمصدر، ولا يناسب هنا.
(٣) - "المغني" ج ٥ ص ٢٣١ - ٢٣٢.